التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
٢٥٣
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: درجات منصوب على الحال والعامل فيه رَفَعَ وذو الحال بعضهم وتقديره رَفَع بعضهم ذوي درجات فحذف المضاف ويجوز أن يكون حالاً بعد الفراغ من الفعل تقديره ورفع بعضهم فإذا هم ذوو درجات ويجوز أن يكون ظرف مكان ويجوز أن يكون اسماً وضع موضع المصدر تثديره ورفع بعضهم رفعاً.
المعنى: { تلك } بمعنى أولئك إلا أنه أراد به الإشارة إلى الجماعة فأتى بلفظ الإفراد الذي يكون للمؤنث المفرد كما يقال القوم خرجت أي أولئك الذين تقدم ذكرهم من الأنبياء في الكتاب: { فضلنا بعضهم على بعض } إنما ذكر الله تفضيل بعض الرسل على بعض لأمور أحدها: لأن لا يغلط غالط فيسوّي بينهم في الفضل كما استووا في الرسالة وثانيها: أن يبين أن تفضيل محمد عليهم كتفضيل من مضى من الأنبياء بعضهم على بعض وثالثها: أن الفضيلة قد تكون بعد إداء الفريضة وهذه الفضيلة المذكورة ها هنا هي ما خص كل واحد منهم من المنازل الجليلة نحو كلامه لموسى بلا سفير وكإرسالـه محمداً إلى الكافة من الجن والإنس وقيل أراد التفضيل في الآخرة لتفاضلـهم في الأعمال وتحمل الأثقال وقيل بالشرائع فمنهم من شرع ومنهم من لم يشرع والفرق بين الابتداء بالفضيلة وبين المحاباة، أن المحاباة اختصاص البعض بالنفع على ما يوجبه الشهوة دون الحكمة وليس كذلك الابتداء بالفضيلة لأنه قد يكون للمصلحة التي لولاها لفسد التدبير وأدى إلى حرمان الثواب للجميع فمن حسن النظر لـهذا الإنسان تفضيل غيره عليه إذا كان في ذلك مصلحة لـه فهذا وجه تدعو إليه الحكمة وليس كالوجه الأول الذي إنما تدعو إليه الشهوة.
{ منهم من كلم الله } أي كلمه الله وهو موسى: { ورفع بعضهم درجات } قال مجاهد أراد به محمد صلى الله عليه وسلم فإنه تعالى فضلـه على جميع أنبيائه بأن بعثه إلى جميع المكلفين من الجن والإنس وبأن أعطاه جميع الآيات التي أعطاها من قبلـه من الأنبياء وبأن خصه بالقرآن الذي لم يعطه غيره وهو المعجزة القائمة إلى يوم القيامة بخلاف سائر المعجزات فإنها قد مضت وانقضت وبأن جعلـه خاتم النبيين والحكمة تقتضي تأخير أشراف الرسل لأعظم الأمور: { وآتينا عيسى بن مريم البينات } أي الدلالات كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى والإخبار عما كانوا يأكلونه ويدخرونه في بيوتهم: { وأيدناه بروح القدس } قد مر تفسيره في الآية الخامسة والثمانين من هذه السورة: { ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم } أي من بعد الرسل وقال قتادة والربيع من بعد موسى وعيسى وأتى بلفظ الجمع لأن ذكرهما يغني عن ذكر المتبعين لـهما كما يقال خرج الأمير فنكوا في العدو نكاية عظيمة معناه ولو شاء الله لم يقتتل الذين من بعد الأنبياء بأن يلجئهم إلى الإيمان ويمنعهم عن الكفر إلا أنه لم يلجئهم إلى ذلك لأن التكليف لا يحسن مع الضرورة والإلجاء والجزاء لا يحسن إلا مع التخلية والاختيار عن الحسن وقيل معناه لو شاء الله ما أمرهم بالقتال: { ولكن اختلفوا فمنهم من آمن } بتوفيق الله ولطفه وحسن اختياره: { ومنهم من كفر } بسوء اختياره: { ولو شاء الله ما اقتتلوا } كرر ذلك تأكيداً وتنبيهاً وقيل الأول مشيئته الإكراه أي لو شاء الله اضطرهم إلى الحال يرتفع معها التكليف والثاني الأمر للمؤمنين بالكف عن قتالـهم: { ولكن الله يفعل ما يريد } ما تقتضيه المصلحة وتوجبه الحكمة.