التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
٦٣
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الميثاق هو مفعال من الوثيقة إما بيمين وإما بعهد أو غير ذلك من الوثائق والطور الجبل في اللغة قال العجاج:

دَانَى جَنَاحَيْهِ مِنَ الطُّوْرِ فَمَرْ تَقَضَّي البَازِي إِذِ البَازِي كَسَرْ

وقيل إنه اسم جبل بعينه ناجى الله عليه موسى عليه السلام عن ابن عباس. والقوة القدرة وهي عَرَض يصير به الحي قادراً. وكل جسم قادر بقدرة لا يصح منه فعل الجسم والأخذ ضد الإعطاء وأصل خذ أؤخذ وكذا كل أصله أؤكل وإنما لزم الحذف فيها تخفيفاً لكثرة الاستعمال وكذلك مر وقد جاء فيه أؤمر على الأصل.
الإعراب: خذوا ما آتيناكم محله نصب على تقدير وقلنا لكم خذوا كما تقول أوجبت عليه قم. أي أوجبت عليه فقلت قم قال الفراء أخذ الميثاق قول ولا حاجة بالكلام إلى إضمار القول فيه غير أنه ينبغي لكل ما خالف القول من الكلام الذي هو بمعنى القول أن يكون معه أن كقولـه:
{ { إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك } [نوح: 1] قال ويجوز حذف أن وموضع ما ها هنا نصب.
المعنى: ثم عاد إلى خطاب بني إسرائيل فقال { و } اذكروا { إذ أخذنا ميثاقكم } أي عهدكم والعهد هو الذي فطر الله الخلق عليه من التوحيد والعدل ونصب لهم من الحجج الواضحة والبراهين الساطعة الدالة على ذلك وعلى صدق الأنبياء والرسل, وقيل إنه أراد به الميثاق الذي أخذه الله على الرسل في قولـه وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه الآية وقيل هو أخذ التوراة عن موسى.
{ ورفعنا فوقكم الطور } قال أبو زيد هذا حين رجع موسى من الطور فأتى بالألواح فقال لقومه جئتكم بالألواح وفيها التوراة والحلال والحرام فاعملوا بها قالوا ومن يقبل قولك فأرسل الله عز وجل الملائكة حتى نتقوا الجبل فوق رؤوسهم فقال موسى عليه السلام: إن قبلتم ما آتيتكم به وإلا أرسلوا الجبل عليكم فأخذوا التوراة وسجدوا لله تعالى ملاحظين إلى الجبل فمن ثم يسجد اليهود على أحد شقي وجوههم قيل وهذا هو معنى أخذ الميثاق وكان في حال رفع الجبل فوقهم لأن في هذه الحال قيل لهم { خذوا ما آتيناكم } يعني التوراة { بقوة } أي بجد ويقين لا شك فيه وهو قول ابن عباس وقتادة والسدي. وقريب منه ما روى العياشي أنه سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل { خذوا ما آتيناكم بقوة } أبقوة بالأبدان أم بقوة بالقلوب؟ فقال بهما جميعاً. وقيل أخذه بقوة هو العمل بما فيه بعزيمة وجدّ وقيل بقدرة وأنتم قادرون على أخذه عن أبي علي والأصم.
{ واذكروا ما فيه } يعود الضمير من فيه إلى ما من قولـه ما آتيناكم وهو التوراة يعني احفظوا ما في التوراة من الحلال والحرام ولا تنسوه وقيل معناه اذكروا ما في تركه من العقوبة وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام. وقيل: معناه اعملوا بما فيه ولا تتركوه وقيل المعنى في ذلك أن ما آتيناكم فيه من وعد ووعيد وترغيب وترهيب تدبروه واعتبروا به واقبلوه { لعلكم تتقون } أي كي تتقوني إذا فعلتم ذلك وتخافوا عقابي وتنتهوا إلى طاعتي وتنزعوا عما أنتم عليه من المعصية.