التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ
٩١
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: ما وراءه أي ما بعده قال الشاعر:

تَمَنِّي الأَمَانِي لَيْسَ شَيْءٌ وَرَاءَهَا كَمَوْعِدِ عُرْقُوْبٍ أخَاهُ بيثْربِ

قال الفراء معنى وراء سوى كما يقال للرجل تكلم بالكلام الحسن ما وراء هذا الكلام شيء يراد ليس عند المتكلم به شيء سوى ذلك الكلام.
الإعراب: قولـه مصدقاً نصب على الحال وهذه حال مؤكدة. قال الزجاج: زعم سيبويه والخليل وجميع النحويين الموثوق بعلمهم أن قولك هو زيد قائماً خطأ لأن قولك هو زيد كناية عن اسم متقدم فليس في الحال فائدة لأن الحال يوجب ها هنا أنه إِذا كان قائماً فهو زيد وإذا ترك القيام فليس بزيد فهذا خطأ, فأمّا قولك هو زيد معروفاً وهو الحق مصدقاً ففي الحال هنا فائدة كأنك قلت أثبته له معروفاً وكأنه بمنزلة قولك هو زيد حقاً فمعروف حال لأنه إنما يكون زيداً بأنه يعرف بزيد وكذلك القرآن هو الحق إِذا كان مصدقاً لكتب الرسل (ع) وقولـه فلم تقتلون وإن كان بلفظ الاستقبال فالمراد به الماضي وإنما جاز ذلك لقولـه من قبل وإن بمعنى الشرط ويدل على جوابه ما تقدم وتقديره إن كنتم مؤمنين فلم قتلتم أنبياء الله وقيل أن بمعنى ما النافية أي ما كنتم مؤمنين.
المعنى: { وإِذا قيل لهم } يعني اليهود الذين تَقّدم ذكرهم { آمنوا } أي صدقوا { بما أنزل الله } من القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم والشرائع التي جاء بها { قالوا نؤمن بما أنزل علينا } يعنون التوراة { ويكفرون بما وراءه } أي يجحدون بما بعده يريد الإنجيل والقرآن أو بما سوى التوراة من الكتب المنزلة كقولـه سبحانه:
{ { وأحلّ لكم ما وراء ذلكم } [النساء: 24] وقال ابن الأنباري تم الكلام عند قولـه بما أُنزل علينا ثم ابتدأَ الله بالإخبار عنهم فقال ويكفرون بما وراءه أي بما سواه { وهو الحق } يعني القرآن { مصدقاً لما معهم } يعني التوراة لأن تصديق محمد وما أنزل معه من القرآن مكتوب عندهم في التوراة. قال الزجاج: وفي هذا دلالة على أنهم قد كفروا بما معهم إِذا كفروا بما يصدّق ما معهم ثم رد الله تعالى عليهم قولـهم نؤمن بما أنزل علينا فقال { قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل } أي قل يا محمد لهم فلم قتلتم أنبياء الله وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم وأمركم فيه باتباعهم وفرض عليكم طاعتهم وتصديقهم.
{ إن كنتم مؤمنين } بما أنزل عليكم وقال الزجاج: إن بمعنى ما ها هنا كأنه قال ما كنتم مؤمنين وهذا وجه بعيد وإنما قال تقتلون بمعنى قتلتم لأن لفظ المستقبل يطلق على الماضي إِذا كان ذلك من الصفات اللازمة كما يقال أنت تسرق وتقتل إِذا صار ذلك عادة له ولا يراد بذلك ذّمه ولا توبيخه على ذلك الفعل في المستقبل وإنما يراد به توبيخه على ما مضى وإنما أضاف إليهم فعل آبائهم وأسلافهم لأحد أمرين: أحدهما: أن الخطاب لمن شهد من أهل ملة واحدة ومن غاب منهم واحد فإِذا قتل أسلافهم الأنبياء وهم مقيمون على مذهبهم وطريقهم فقد شركوهم في ذلك. والآخر: أنهم رضوا بأفعالهم والراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم وهذا المعنى قريب من الأول وفي هذه الآية دلالة على أن الإِيمان بكتاب من كتب الله لا يصح إِذا لم يحصل الإِيمان بما سواه من كتب الله المنزلة التي هي مثله في اقتران المعجزة به.