التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ
١١٦
فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ
١١٧
إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ
١١٨
وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ
١١٩
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ
١٢٠
فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ
١٢١
ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ
١٢٢
قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ
١٢٣
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ
١٢٤
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً
١٢٥
-طه

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ نافع وأبو بكر وإنك لا تظمؤ بالكسر والباقون أنك بالفتح وفي الشواذ قراءة أبان بن تغلب ونحشره بالجزم.
الحجة: من قرأ بالفتح فتقديره أن لك أن لا تجوع فيها وأن لك أنك لا تظمأ ولا يجوز أن تقول أن أنك منطلق لكراهة اجتماع حرفين متقاربي المعنى فإذا فصل بينهما جاز ومن كسر فقال فإنك لا تظمأ قطع الكلام الأول واستأنف ومن قرأ نحشره فإنه عطفه على موضع قوله { فإن له معيشة ضنكاً } وموضعه جزم لكونه جواب الشرط.
اللغة: ضحى الرجل يضحى ضحى إذا برز للشمس قال عمر بن أبي ربيعة:

رَأتْ رَجُلاً أيْما إذَا الشَّمْسُ عارضَتْ فَيَضْحــى وأَيْمــــا بِالعَشِــيِّ فَيَخْصَرُ

يعني أمّا والضنك الضيق الصعب يقال منزل ضنك وعيش ضنك لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث لأن أصله المصدر قال:

وإذا هم نزلوا بضنكٍ فانزلِ

المعنى: ثم بيَّن سبحانه تفصيل ما أجمله من قصة آدم (ع) فقال { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس } قد مرَّ تفسيره { أبى } أي امتنع من أن يسجد { فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك } حواء { فلا يخرجنكما من الجنة } أي لا تطيعاه والمعنى لا يكونن سبباً لخروجكما من الجنة بغروره ووساوسه { فتشقى } أي فتقع في تعب العمل وكدّ الاكتساب والنفقة على زوجتك ونفسك ولذلك قال فتشقى ولم يقل فتشقيا. وقيل: لأن أمرهما في السبب واحد فاستوى حكمهما لاستوائهما في السبب والعلة. وقيل: لتستقيم رؤوس الآي. قال سعيد بن جبير: أنزل على آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه ويرشح العرق عن جبينه وذلك هو الشقاوة.
{ إن لك ألاّ تجوع فيها ولا تعرى } أي في الجنة لسعة طعام الجنة وثيابها { وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } أي لا تعطش ولا يصيبك حرّ الشمس عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة قالوا ليس في الجنة شمس وإنما فيها ضياء ونور وظل ممدود ويسأل ههنا فيقال كيف جمع بين الجوع والعري وبين الظمأ والضحى والجوع من جنس الظمأ والعري من جنس الضحى وأجيب عن ذلك بجوابين (أحدهما) إن الظمأ أكثر ما يكون من شدة الحر والحر إنما يكون من الضحى وهو الانكشاف للشمس فجمع بينهما لاجتماعهما في المعنى وكذلك الجوع والعري متشابهان من حيث أن الجوع عري في الباطن من الغذاء والعري للجسم في الظاهر (والثاني) إن العرب تلفُّ الكلامين بعضهما ببعض اتكالاً على علم المخاطب وأنه يرد كل واحد منهما إلى ما يشاكله كما قال امرؤ القيس:

كَـــأَنِّي لَــمْ أرْكَـبْ جَواداً لِـلَذَّةٍ وَلَمْ أتَبَطَّنْ كاعِباً ذاتَ خَلْخــالِ
وَلَمْ أسْبَإ الزِّقَ الرَّوِيَّ وَلَمْ أَقُلْ لخَيْلـي كِـرّي كَرَّةً بَعْـد إجْفالِ

وكان حقه أن يقول كما قال عبد يغوث:

كَأَنِّـي لَـمْ أرْكَـب جَواداً وَلَمْ أَقُلْ لِخَيْـليَ كِـرِّي نَفِّسِـي عَنْ رِجالِيا
وَلَــمْ أَسْبَــإ الـزْقَّ الرَّوِيّ وَلَمْ أَقُلْ لأَيْسارِ صِدْقٍ أظْهِرُوا ضَوْءَ نارِيا

وقد يؤوّل قول امرء القيس على الجواب الأول { فوسوس إليه الشيطان } قد تقدَّم بيانه { قال يا آدم هل أَدلك على شجرة الخلد } أي على شجرة من أكل منها لم يمت { وملك لا يبلى } جديده ولا يفنى وهذا كقوله { { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة } [الأعراف 20] الآية { فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } هذا مفسر في سورة الأعراف { وعصى آدم ربه فغوى } معناه خالف آدم ما أمره ربه به فخاب من ثوابه والمعصية مخالفة الأمر سواء كان الأمر واجباً أو ندباً. قال الشاعر:

أمرتك أمراً جازماً فعصيتني

ولا يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصياً كما يسمى بذلك تارك الواجب يقولون فلان أمرته بكذا وكذا من الخير فعصاني وخالفني وإن لم يكن ذلك واجباً ولا شبهة إن لفظة غوى يحتمل الخيبة. قال الشاعر:

فَمَنْ يَلْقَ خَيْراً يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ وَمَنْ يَغْوَ لا يَعْدِمْ عَلَى الغَيِّ لائِما

ويجوز أن يكون معناه فخاب مما كان يطمع فيه بأكل الشجرة من الخلود { ثم اجتباه ربه } أي اصطفاه الله تعالى واختاره للرسالة { فتاب عليه وهدى } أي قبل توبته وهداه إلى ذكره. وقيل: هداه للكلمات التي تلقاها منه { قال اهبطا منها جميعاً } يعني آدم وحواء { بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى } قد فسّرنا جميعها في سورة البقرة { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } أي فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة. قال ابن عباس: ضمن الله سبحانه لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم قرأ هذه الآية.
{ ومن أعرض عن ذكري } أي ومن أعرض عن القرآن وعن الدلائل التي أنزلها الله تعالى لعباده وصدف عنها ولم ينظر فيها { فإن له معيشة ضنكاً } أي عيشاً ضيقاً عن مجاهد وقتادة والجبائي، وهو أن يقتر الله عليه الرزق عقوبة له على إعراضه فإن وسع عليه فإنه يضيق عليه المعيشة بأن يمسكه ولا ينفقه على نفسه وإن أنفقه فإن الحرص على الجمع وزيادة الطلب يضيق المعيشة عليه. وقيل: هو عذاب القبر عن ابن مسعود وأبي سعيد الخدري والسدي ورواه أبو هريرة مرفرعاً. وقيل: هو طعام الضريع والزقوم في جهنم لأن ماله إليها وإن كان في سعة من الدنيا عن الحسن وابن زيد. وقيل: معناه أن يكون عيشه منغصاً بأن ينفق إنفاق من لا يوقن بالخلف عن ابن عباس. وقيل: هو الحرام في الدنيا الذي يؤدي إلى النار عن عكرمة والضحاك. وقيل: عيشاً ضيقاً في الدنيا لقصرها وسائر ما يشوبها ويكدرها وإنما العيش الرغد في الجنة عن أبي مسلم.
{ ونحشره يوم القيامة أعمى } أي أعمى البصر عن ابن عباس. وقيل: أعمى عن الحجة عن مجاهد يعني أنه لا حجة له يهتدي إليها والأول هو الوجه لأنه الظاهر ولا مانع منه ويدل عليه قوله { قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً }. [طه: 125] قال الفراء: يقال إنه يخرج من قبره بصيراً فيعمى في حشره وقد روى معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل لم يحجّ وله مال قال: هو ممن قال الله { ونحشره يوم القيامة أعمى } فقلت سبحان الله أعمى قال أعماه الله عن طريق الحق فهذا يطابق قول من قال إن المعنى في الآية أعمى عن جهات الخير لا يهتدي لشيء منها.