التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
١١٦
مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
١١٧
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: يقال أغنى عنه إذا دفع عنه ضرراً لولاه لنزل به وإذا قيل أغناه كذا عن كذا أفاد أن أحد الشيئين صار بدلاً من الآخر في نفي الحاجة، والغنى الاختصاص بما ينفي الحاجة فإن اختص بمال ينفي الحاجه فذلك غنى وكذلك الغنى بالجاه والأصحاب وغير ذلك فأما الغنى في صفات الله فهو اختصاصه بكونه قادراً على وجه لا يعجزه شيء وقولنا فيه إنه غنّي معناه أنه لا تجوز عليه الحاجة.
{ أصحاب النار } إنما سموا بذلك لملازمتهم فيها كما يقال هؤلاء أصحاب الصحراء إذا كانوا ملازمين لـها وقد يقال أصحاب العقار بمعنى مُلاَّكه وأصحاب الرجل اتباعه وأعوانه وأصحاب العالم المتعلمون منه، فالإضافات مختلفة وأصل المصاحبة الملازمة والنار أصلـه من النور وهو جسم لطيف فيه حرارة ونور واعتماد علويّ والريح واحدة ومنه الروح لدخول الريح الطيبة على النفس وكذلك الارتياح والتروح والراحه من التعب ومنه الروح لأنها كالريح في اللطافة ومنه الرائحة لأن الريح تحملـها إلى الحس والصرُّ البرد الشديد وأصلـه من الصرير وهو الصوت قال الزجاج الصِرّ صوت لـهب النار التي كانت في تلك الريح ويجوز أن يكون الصرّ صوت الريح الباردة الشديدة وذلك من صفات الشمال فإنها توصف بأن لـها قعقعة والصرّة شدة الصياح.
المعنى: لما تقدم وصف المؤمنين عقَّبه سبحانه ببيان حال الكافرين فقال { إن الذين كفروا } بالله ورسولـه { لن تغني عنهم } أي لن تدفع عنهم { أموالـهم ولا أولادهم من } عذاب { الله شيئاً } وإنما خصّ الأموال والأولاد بالذكر لأن هذين معتمد الخلق وأعزّ الأشياء عليهم فإذا لم يغنيا عن الإنسان شيئاً فغيرهما غناؤه أبعد { وأولئك أصحاب النار } أي ملازموها { هم فيها خالدون } أي دائمون ثم ضرب مثلاً لإنفاقهم فقال { مثل ما ينفقون } أي شبه ما ينفقون من أموالـهم { في هذه الحياة الدنيا } قيل هو ما ينفقون على الكفار في عداوة الرسول وقيل هو ما أنفقه أبو سفيان وأصحابه ببدر وأحد لما تظاهروا على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل هو ما أنفقه سفلة اليهود على علمائهم وقيل هو مثل لجميع صدقات الكفار ونفقاتهم في الدنيا عن مجاهد.
وفي الآية حذف وتقديره مثل إهلاك ما ينفقون { كمثل } إهلاك { ريح } فيها { صرّ } فحذف الإهلاك لدلالة آخر الكلام عليه وفيه تقدير آخر مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح فيكون تشبيه ذلك الإنفاق من الحرث بالريح { فيها صرّ } قيل برد شديد عن ابن عباس والحسن وقتادة وجماعة وقيل السموم الحارة القاتلة عن ابن عباس أيضاً { أصابت حرث قوم } أي زرع قوم { ظلموا أنفسهم } بالمعاصي فظلمهم اقتضى هلك حرثهم عقوبة لـهم وقيل ظلموا أنفسهم بأن زرعوا في غير موضع الزراعة أو في غير وقتها فجاءت الريح { فأهلكته } تأديباً لـهم من الله في وضع الشيء غير موضعه الذي هو حقّه { وما ظلمهم الله } في إهلاك زرعهم لأنهما استحقوا ذلك بظلمهم وقيل في قتلـهم وسبيهم لأنهم استحقوهما بكفرهم { ولكن أنفسهم يظلمون } حيث فعلوا ما استحقوا به ذلك.