التفاسير

< >
عرض

هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
١١٩
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: العَضُّ بالأسنان معروف ومنه العض علف الأَمصار لأن لـه مضغة في العضّ يسمن عليها المال ورجل عضّ لزاز الخصم لأنه يعضه بالخصومة والأنامل أطراف الأصابع وأصلـه النمل المعروف فهي مشبهة به في الدقة والتصرف بالحركة ومنه رجل نمل أي نمّام لأنه ينقل الأحاديث الكَرِهة كنقل النملة في الخفاء والكثرة.
الإعراب: قال الأزهري يحتمل أن يكون أولاء منادي كأنه قال يا أولاء وقال غيره ها للتشبيه وأنتم مبتدأ وأولاء خبره وتحبّونهم حال وقال الزجاج جائز أن يكون أولاء في معنى الذين كأنه قال ها أنتم تحبونهم ولا يحبونكم وجائز أن يكون تحبونهم حالاً وتؤمنون عطف على يحبّون ولا يجوز أن يقول ها قومك أولاء لأن المضمر أحق بالـهاء التي للتنبيه لأنه كالمبهم في عموم ما يصلح لـه وليس كذلك الظاهر.
المعنى: ثم بيّن سبحانه ما هُم عليه من عداوة المؤمنين تأكيداً للنهي عن مصافاتهم فقال { ها أنتم أولاء تحبونهم } وقد مر ذكر معناه في الإعراب وتقديره ها أنتم الذين تحبونهم أو ها أنتم أولاء محبين إذا قلنا إنه بمعنى الحال أي تنّبهوا في حال محبتكم إياهم ولا يحبونكم هم لما بينكم من مخالفة الدين وقيل يحبونكم لأنكم تريدون لـهم الإسلام وتدعونهم إلى الجنة { ولا يحبونكم } لأنهم يريدون لكم الكفر والضلال وفيه الـهلاك.
{ وتؤمنون بالكتاب كلّـه } الكتاب واحد في معنى الجمع لأنه أراد الجنس كما يقال كثر الدرهم في أيدي الناس ويجوز أن يكون مصدراً من قولك كتبت كتاباً والمراد به كُتُب الله التي أنزلـها على أنبيائه وفي أفراده ضرب من الإيجاز وإشعار بالتفصيل في الاعتقاد ومعناه أنكم تصدّقون بها في الجمة والتفصيل من حيث تؤمنون بما أنزل على إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم وسائر الأنبياء وهم لا يصدّقون بكتابكم { وإذا لقوكم قالوا آمنا } معناه إذا رأوكم قالوا صدقنا { وإذا خلوا } مع أنفسهم { عضّوا عليكم الأنامل } أي أطراف الأصابع { من الغيظ } أي من الغضب والحنق لما يرون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم ونصرة الله إيّاهم وهذا مثل وليس هناك عضّ كقول الشاعر:

إِذا رَأَوْني أَطالَ اللَّهُ غَيْظَهُــمُ عَضُّوا مِنَ الغَيْظِ أَطْرافَ الأَباهيمِ

وقول أبي طالب:

يعضّون غيظاً خلفنا بالأنامل

{ قل } يا محمد لـهم { موتوا بغيظكم } صيغته صيغة الأمر والمعنى الدعاء فكأنه قال أماتكم الله بغيظكم وفيه معنى الذم لـهم لأنهم لا يجوز أن يدعي عليهم هذا الدعاء إلا وقد استحقوه بما أتوه من القبيح معناه دام هذا الغيظ لما ترون من علوّ كلمة الإسلام إلى أن تموتوا { إن الله عليم بذات الصدور } أي بما يضمرون من النفاق والغيظ على المسلمين.