التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ
١٤٥
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: كتاباً نصب على المصدر لفعل محذوف دلّ عليه أول الكلام مع العلم بأن كل ما يكون فقد كتبه الله فتقديره كتب الله ذلك كتاباً وقال الأخفش اللام في قولـه وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله منقولة عما دخل عليه في غيره وتقديره وما كان لنفس لتموت أي لأن تموت.
المعنى: { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله } ومعناه ما كان نفس لتموت إلا بإذن الله ومثلـه
{ { ما كان للـه أن يتخذ من ولد } [مريم: 35] أي وما كان الله ليتخذ ولداً وقولـه { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } [النمل: 60] معناه ما كنتم لتنبتوا شجرها لأن إنبات الشجر لا يدخل تحت قدرة البشر ففي الآية إخبار بأن الموت لا يكون إلا بإذن الله وهذا تسلية عما لحق النفوس بموت النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أنه بإذن الله ومعناه إنه إن مات فإنما يموت بإذن الله وعلمه كغيره من الناس فلا عذر لأحد في ترك دينه بعد موته وقيل إنّ فيه حضّاً على الجهاد من حيث لا يموت أحد إلا بإذن الله أي لا تتركوا الجهاد خشية القتل فإن ذلك لا يؤخر أجلاً قد حضر ولا يقدم الجهاد أجلاً لم يحضر فلا معنى للانهزام.
وقولـه { بإذن الله } يحتمل أمرين أحدهما: بعلم الله والثاني: بأمر الله وقال أبو علي الجبائي: فيه دلالة على أنه لا يقدر على الموت غير الله كما لا يقدر على ضدّه من الحياة غير الله ولو كان من مقدور غيره لم يكن بإذنه وقولـهُ { كتاباً مؤجلاً } معناه كتب الله لكل حيٍّ أجلاً ووقتاً لحياتهِ ووقتاً لموتهِ لا يتقدم ولا يتأخر وقيل حتماً موقتاً وحكماً لازماً مبرماً { ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها } قيل في معناه أقوال أحدها: أن المراد مَنْ عمل للدنيا لم نحرمه ما قسمنا لـه فيها من غير حظ في الآخرة عن ابن إسحاق، أي فلا يغترّ بحالـه في الدنيا وثانيها: من أراد بجهاده ثواب الدنيا وهو النصيب من الغنيمة نؤته منها فبيَّن أن حصول الدنيا للإنسان ليس بموضع غبطة لأنها مبذولة للبر والفاجر عن أبي علي الجبائي وثالثها: من تعرض لثواب الدنيا بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر جوزي بها في الدنيا دون الآخرة لإحباط عملـه بفسقه وهذا على مذهب من يقول بالاحباط.
{ ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها } أي ومن يرد بالجهاد وأعمالـه ثواب الآخرة نؤته منها فلا ينبغي لأحد أن يطلب بطاعاته غير ثواب الله ومثلـه قولـه تعالى:
{ من كان يريد حرث الآخرة نزد لـه في حرثه } [الشورى: 20] وقريب منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من طلب الدنيا بعمل الآخرة فما لـه في الآخرة من نصيب " ومن في قولـه منها يحتمل أن تكون زائدة ويحتمل أن تكون للتبعيض لأنه إنما يستحق الثواب على قدر العمل { وسنجزي الشاكرين } أي نعطيهم جزاء الشكر وفي تكراره قولان أحدهما: أنه للتأكيد وللتنبيه على عظم منزلة الشاكرين والثاني: أن معناه وسنجزي الشاكرين من الرزق في الدنيا لئلا يتوهم أن الشاكر يحرم ما يعطى الكافر من نعيم الدنيا عن ابن إسحاق، وروى أبان بن عثمان عن أبي جعفر (ع) أنه "أصاب علياً (ع) يوم أحد ستون جراحة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سليم وأم عطية أن تداوياه فقالتا: إنا لا نعالج منه مكاناً إلا انفتق مكان آخر وقد خفنا عليه، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يعودونه وهو قرحة واحدة فجعل يمسحه بيده ويقول: إن رجلاً لقي هذا في الله فقد أبلى وأعذر" وكان القرح الذي يمسحه رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتئم فقال علي (ع) الحمد لله إذ لم أفرّ ولم أولي الدبر فشكر الله لـه ذلك في موضعين من القرآن وهو قولـه { وسيجزي الله الشاكرين } من الرزق في الدنيا { وسنجزي الشاكرين } [آل عمران: 144- 145] قال أبو علي الجبائي وفي هذه الآية دلالة على أن أجل الانسان إنما هو أجل واحد وهو الوقت الذى يموت فيه لأنه لا ينقطع بالقتل عن الأجل الذي أخبر الله بأنه أجل لموته وقال ابن الإخشيد لا دليل فيه على ذلك لأن للإنسان أجلين أجلاً يموت فيه لا محالة وأجلاً هو مَوْهبة من الله لـه ومع ذلك فلن يموت إلا عند الأجل الذي جعلـه الله أجلاً لموته والأقوى الأول.
النظم: اتصل قولـه وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله بما قبلـه لأنه حثّ على الجهاد وقيل لأنه تسلية عما لحق النفوس من الرجوم بموت النبي صلى الله عليه وسلم وقيل للبيان بأن حالـهم لا تختلف في التكليف بأن يموت النبي صلى الله عليه وسلم فينبغي أن يتمسك بأمره في حياته وبعد وفاته.