التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
٥٥
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: العامل في إذ قولـه { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين إذ قال } ويحتمل أن يكون تقديره ذاك إذ قال الله وتمثيلـه ذاك واقع إذ قال الله ثم حذفت واقع وهو العامل في إذ وأقيمت إذ مقامه وعيسى في موضع الضم لأنه مناد في مفرد لكن لا يتبين فيه الإعراب لأنه منقوص وهو لا ينصرف لاجتماع العجمة والتعريف.
المعنى: لَمَّا بين سبحانه ما هَمَّ به قوم عيسى من المكر به وقتلـه عَقَّبَه بما أنعم عليه من لطف التدبير وحسن التقدير فقال { إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك } وقيل في معناه أقوال أحدها: أن المراد به إني قابضك برفعك من الأرض إلى السماء من غير وفاة بموت عن الحسن وكعب وابن جريج وابن زيد والكلبي وغيرهم، وعلى هذا القول يكون للمتوفى تأويلان أحدهما: إني رافعك إليَّ وافياً لم ينالوا منك شيئاً من قولـهم توفيت كذا واستوفيته أي أخذته تاماً والآخر: إني متسلمك من قولـهم توفيت منه كذا أي تسلمته وثانيها: إني متوفيك وفاة نوم ورافعك إلي في النوم عن الربيع. قال رفعه نائماً ويدل عليه قولـه
{ وهو الذي يتوفاكم بالليل } [الأنعام: 60] أي يميتكم لأن النوم أخو الموت وقال { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها } [الزمر: 42] الآية وثالثها: إني متوفيك وفاة نوم عن ابن عباس ووهب قالا أماته الله ثلاث ساعات فأما النحويون فيقولون هو على التقديم والتأخير إني رافعك ومتوفيك لأن الواو لا توجب الترتيب بدلالة قولـه فكيف كان عذابي ونذر والنذر قبل العذاب بدلالة قولـه: { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } [الإسراء: 15] وهذا مروي عن الضحاك ويدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن عيسى ابن مريم لم يمت وأنه راجع إليكم قبل يوم القيامة" وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم " رواه البخاري ومسلم في الصحيح.
فعلى هذا يكون تقديره إني قابضك بالموت بعد نزولك من السماء وقولـه { ورافعك إلي } فيه قولان أحدهما: إني رافعك إلى سمائي وسمى رفعه إلى السماء رفعاً إليه تفخيماً لأمر السماء يعني: رافعك لموضع لا يكون عليك إلا أمري والآخر: أن معناه رافعك إلى كرامتي كما قال حكاية عن إبراهيم (ع) إني
{ { ذاهب إلى ربي سيهدين } [الصافات: 99] أي إلى حيث أمرني ربي سمى ذهابه إلى الشام ذهاباً إلى ربه وقولـه { ومطهرك من الذين كفروا } وفيه قولان أحدهما: مطهرك بإخراجك من بينهم وإنجائك منهم فإنهم أرجاس جعل مقامه فيهم بينهم كملاقاة النجاسة من حيث كان يحتاج إلى مجاورتهم ومجاراتهم والآخر: أن تطهيره منعه من كفر يفعلونه بالقتل الذي كانوا هموا به لأنه رجس طهره الله منه عن الجبائي وقولـه { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } معناه وجعل الذين آمنوا بك فوق الذين كذبوا عليك وكذبوك في العز والغلبة والظفر والنصرة وقيل في البرهان والحجة والمعني به النصارى قال ابن زيد: ولـهذا لا ترى اليهود حيث كانوا إلا أذل من النصارى ولـهذا أزال الملك عنهم وإن كان ثابتاً في النصارى على بلاد الروم وغيرها فهم أعز منهم وفوقهم إلى يوم القيامة وقال الجبائي: فيه دلالة على أنه لا يكون لليهود مملكة إلى يوم القيامة كما للروم وقيل المعنّي به أمة محمد صلى الله عليه وسلم وإنما سماهم تبعاً وإن كانت لـهم شريعة على حدة لأنه وجد فيهم التبعية صورة ومعنى. وأما صورة فإنه يقال فلان يتبع فلاناً إذا جاء بعده وأما معنى فلان نبينا صلى الله عليه وسلم كان مصدقاً بعيسى وبكتابه ويقال لمن يصدق غيره أنه يتبعه على أن شريعة نبينا وسائر الأنبياء متحدة في أبواب التوحيد فعلى هذا هو متبع لـه إذ كان معتقداً اعتقاده وقائلاً بقولـه وهذا القول أوجه لأن فيه ترغيباً في الإسلام ودلالة على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يكونون ظاهرين إلى يوم القيامة ولأن من دعاه إلـهاً لا يكون في الحقيقة تابعاً لـه { ثم إليَّ مرجعكم } أي مصيركم { فأحكم بينكم } فأقضي بينكم { فيما كنتم فيه تختلفون } من أمر عيسى.