التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
٦٧
إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٦٨
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: قد ذكرنا الأصل في اليهود والنصارى والحنيف في سورة البقرة وأولى الذي هو بمعنى أفعل من غيره لا يُثنى ولا يُجمع لأنه يتضمن معنى الفعل والمصدر على تقدير يزيد فضلـه على فضلـه في أفضل منه ومعنى قولنا هذا الفعل أولى من غيره أي بأن يفعل، وقولنا زيد أولى من غيره معناه أنه على حال هو أحق بها من غيره والإتباع جريان الثاني على طريقة الأولى من حيث هو عليه كالمدلول الذي يتبع الدليل في سلوك الطريق أو في التصحيح لأنه إن صح الدليل صح المدلول عليه بصحته وكذلك المأمول الذي يتبع طريقه الإمام.
المعنى: ثم كذّب الله اليهود والنصارى فقال { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً } نزَّه إبراهيم وبرَّأه عن اليهودية والنصرانية لأنهما صفتا ذم قد دل القران والإجماع على ذلك وهذا يدل على أن موسى أيضاً لم يكن يهودياً ولم يكن عيسى نصرانياً فإن الدين عند الله الإسلام واليهودية ملة محرفة عن شرع موسى، والنصرانية ملة محرفة عن شرع عيسى فهما صفتا ذم جرتا على فرقتين ضالتين { ولكن كان حنيفاً } أي مائلاً عن الأديان كلـها إلى دين الإسلام وقيل معناه مستقيماً في دينه { مسلماً } أي كائناً على دين الإسلام { وما كان من المشركين } قيل إن هذا يتضمن كون اليهودية والنصرانية شركاً وقيل إن معناه لم يكن مشركاً على ما يدعيه مشركو العرب.
{ إن أولى الناس بإبراهيم } يعني أن أحق الناس بنصرة إبراهيم بالحجة أو بالمعونة { للذين اتبعوه } في وقته وزمانه وتولوه بالنصرة على عدوه حتى ظهر أمره وعلت كلمته { وهذا النبي والذين آمنوا } يتولون نصرته بالحجة لما كان عليه من الحق وتبرئة كل عيب عنه أي هم الذين ينبغي لـهم أن يقولوا إنا على دين إبراهيم ولـهم ولايته { والله ولي المؤمنين } لأنه يتولى نصرتهم، والمؤمن ولي الله لـهذا المعنى بعينه، وقيل لأنه يتولى نصرة ما أمر الله به من الدين وإنما أفرد الله النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر تعظيماً لأمره وإجلالاً لقدره كما أفرد جبرائيل وميكائيل وقيل ليدخل في الولاية وتعود إليه الكناية فإن التقدير والذين آمنوا به وفي هذه الآية دلالة على أن الولاية تثبت بالدين لا بالنسب ويعضد ذلك قول أمير المؤمنين: إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به. ثم تلا هذه الآية وقال: إن ولي محمد من أطاع الله وأن بعدت لحمته وأن يدعو محمد من عصى الله وأن قربت قرابته وروى عمر بن يزيد قال قال أبو عبد الله أهم والله من آل محمد قلت من أنفسهم جعلت فداك نعم والله من أنفسهم قالـها ثلاثاً ثم نظر إليَّ ونظرت إليه فقال: يا عمر إن الله يقول في كتابه { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه } الآية رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عنه.