التفاسير

< >
عرض

كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٩٣
فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٩٤
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الافتراء اقتراف الكذب وأصلـه قطع ما قدر من الأَديم يفريه فرياً إذا قطعه وعلى للاستعلاء ومعناه هنا إضافة الكذب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أنه أمر بما لم يأمر به الله وأوجب ما لم يوجبه الله وفرق بين من كذب عليه وكذب لـهُ لأَن من كذب عليهِ يفيد أنهُ كذب فيما يكرههُ وكذب لـهُ يجوز أن يكون فيما يريده.
النزول: أنكر اليهود تحليل النبي لحوم الإِبل فقال كل ذلك كان حلاَّ لإبراهيم فقالت اليهود كل شي تحرمه فإنه محرم على نوح وإبراهيم وهلُمَّ جرَّا حتى انتهى إلينا فنزلت الآية عن الكلبي وأبي روق.
المعنى: { كل الطعام } أي كل المأكولات { كان حلاً } أي كان حلالاً { لبني إسرائيل } وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم { إلا ما حرم إسرائيل } أي يعقوب { على نفسه } اختلفوا في ذلك الطعام فقيل إن يعقوب أخذه وجع العرق الذي يقال لـه عرق النسا فنذر إن شفاه الله أن يحرم العروق ولحوم الإِبل وهو أحب الطعام إليه عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك، وقيل حرم إسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبّدا لله تعالى وسأل الله أن يجيز لـه فحرم الله ذلك على ولده عن الحسن، وقيل حرم زائدي الكبد والكليتين والشحم إلا ما حملته الظهور عن عكرمة، واختلف في أنه كيف حرَّمه على نفسه فقيل بالاجتهاد وقيل بالنذر وقيل بنص ورد عليه وقيل حرّمه كما يحرّم المستظهر في دينه من الزهاد اللذة على نفسه.
{ من قبل أن تنزل التوراة } معناه أن كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل قبل أن تنزل التوراة على موسى فإنها تضمنت تحريم بعض ما كان حلالاً لبني إسرائيل واختلفوا فيما حرم عليهم وحالـها بعد نزول التوراة فقيل أنه حرم عليهم ما كانوا يحرمونه قبل نزولـها اقتداء بأبيهم يعقوب (ع) عن السدي، وقيل لم يحرم الله عليهم في التوراة وإنما حرم عليهم بعد التوراة بظلمهم وكفرهم وكانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنباً عظيماً حرم الله عليهم طعاماً طيباً وصب عليهم رجزاً وهو الموت وذلك قولـه
{ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لـهم } [النساء: 160] عن الكلبي، وقيل لم يكن شيء من ذلك حراماً عليهم في التوراة وإنما هو شيء حرموه على أنفسهم اتباعاً لأَبيهم وأضافوا تحريمه إلى الله تعالى عن الضحاك فكذَّبهم الله وقال قل يا محمد { فأتوا بالتوراة فاتلوها } حتى يتبين أنه كما قلت لا كما قلتم { إن كنتم صادقين } في دعواكم فاحتجّ عليهم بالتوراة وأمرهم بالإِتيان بها وإن لم يقرأوا ما فيها فإن كان في التوراة أنها كانت حلالاً للأَنبياء وإنما حرمها إسرائيل فلم يجسروا على إتيان التوراة لعلمهم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وبكذبهم وكان ذلك دليلاً ظاهراً على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذ علم بأن في التوراة ما يدل على كذبهم من غير تعلم التوراة وقراءتها.
{ فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك } أي فمن افترى الكذب على الله تعالى من بعد قيام الحجة وظهور البينة { فأولئك } هم المفترون على الله الكذب و { هم الظالمون } لأنفسهم بفعل ما أوجب العقاب عليهم وإنما قال من بعد ذلك مع أنه يستحق الوعيد بالكذب على الله على كل حال لأَنه أراد بيان أنه إنما يؤاخذ به بعد إقامة الحجة عليه ومن كذب فيما ليس بمحجوج فيه جرى مجرى الصبي الذي لا يستحق الوعيد بكذبه.
النظم: ووجه اتصال هذه الآية بما قبلـها أنها تفصيل للجملة المتقدمة فإنه ذكر الترغيب في الإِنفاق من المحبوب والطعام مما يجب فرغّب فيه وذكر حكمه عن علي بن عيسى، وقيل إنه لما تقدم محاجتهم في ملة إبراهيم وكان فيما أنكروا على نبينا صلى الله عليه وسلم تحليل لحم الجزور وادّعوا تحريمه على إبراهيم (ع) وأن ذلك مذكور في التوراة فأنزل الله هذه الآية تكذيباً لـهم.