التفاسير

< >
عرض

الۤـمۤ
١
تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ
٢
هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ
٣
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
٤
أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٥
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٦
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٧
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ
٨
خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ
١٠
-لقمان

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حمزة { ورحمة } بالرفع والباقون { ورحمة } بالنصب وقرأ أهل الكوفة غير أبي بكر ويعقوب { ويتخذها } بالنصب والباقون بالرفع وقد ذكرنا فيما تقدَّم أن ابن كثير وأبا عمرو ويعقوب قرؤوا { ليَضلّ } بفتح الياء وأن نافعاً يقرأُ الأذن بسكون الذال كل القرآن.
الحجة: قال أبو علي، والزجاج: وجه النصب في { ورحمة } أنه انتصب عن الاسم المبهم على الحال أي تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة والرفع على إضمار المبتدأ أي هو هدى ورحمة ومن رفع ويتخذها جعله عطفاً على الفعل الأول أي من يشتري ويتخذ ومن نصب عطفه على ليضل ويتخذها وأما الضمير في يتخذها فيجوز أن يكون للحديث لأنه بمعنى الأحاديث ويجوز أن يكون للسبيل لأن السبيل يؤنث قال: قل هذه سبيلي ويجوز أن يكون لآيات الله وقد جرى ذكرها في قوله { تلك آيات الكتاب }
الإعراب: مفعول يضل محذوف أي ليضل الناس بغير علم في موضع النصب على الحال تقديره ليضل الناس جاهلاً أو غير عالم. { كأن لم يسمعها } الكاف في موضع الحال وكذا قوله { كأنَّ في أذنيه وقراً } في موضع الحال أي ولي مستكبراً مشبهاً للصم. { لهم جنات النعيم } جنات ترتفع بالظرف على المذهبين لأنه جرى خبراً على المبتدأ. { وعد الله } مصدر فعل محذوف و { حقاً } صفة للمصدر وتقديره وعد الله وعداً حقاً. بغير عمد يجوز أن يكون غير صفة لمحذوف مجرور بالياء أي بعمد غير عمد ترونها وترونها جملة في موضع جرّ بكونها صفة لعمد أي بغيرعمد مرئية ويجوز أن يكون غير بمعنى لا وعلى الوجهين يتعلق الباء بخلق ويجوز أن يكون الباء للحال فيكون حالاً من السموات ويجوز وجه آخر وهو أن يتعلق الباء بترون وللجملة في موضع نصب على الحال من خلق فالتقدير خلق السموات مرئية بغير عمد أن تميد في موضع نصب بأنه مفعول له وتقديره حذر أن تميد وكراهة أن تميد.
النزول: نزل قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار بن قصي بن كلاب كان يتّجر فيخرج إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم ويحدث بها قريشاً ويقول لهم: إن محمداً يحدّثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستمعون حديثه ويتركون استماع القرآن عن الكلبي. وقيل: نزل في رجل اشترى جارية تغنيه ليلاً ونهاراً عن ابن عباس ويؤيّده ما رواه أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله تعالى { ومن الناس من يشتري } الآية والذي نفسي بيده ما رفع رجل عقيرته يتغنّى إلا ارتدفه شيطانان يضربان أرجلهما على صدره وظهره حتى يسكت" .
المعنى: { الم تلك آيات الكتاب الحكيم } تقدَّم تفسيره { هدى ورحمة للمحسنين } أي بيان ودلالة ونعمة للمطيعين. وقيل: للموحّدين. وقيل: للذين يحسنون العمل ثم وصفهم فقال: { الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة } إلى قوله: { هم المفلحون } قد مرَّ تفسيره في سورة البقرة.
ثم وصف الذين حالهم تخالف حال هؤلاء فقال: { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } أي باطل الحديث وأكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء وهو قول ابن عباس وابن مسعود وغيرهما وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن الرضا (ع) قالوا منه الغناء وروي أيضاً عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: هو الطعن بالحق والاستهزاء به وما كان أبو جهل وأصحابه يجيئون به إذ قال: يا معشر قريش ألا أطعمكم من الزقوم الذي يخوّفكم به صاحبكم ثم أرسل إلى زبد وتمر فقال: هذا هو الزقوم الذي يخوّفكم به قال: ومنه الغناء فعلى هذا فإنه يدخل فيه كل شيء يلهي عن سبيل الله وعن طاعته من الأباطيل والمزامير والملاهي والمعازف ويدخل فيه السخرية بالقرآن واللغو فيه كما قاله أبو مسلم والترهات والبسابس على ما قاله عطاء وكل لهو ولعب على ما قاله قتادة والأحاديث الكاذبة والأساطير الملهية عن القرآن على ما قاله الكلبي.
وروى الواحدي بالإسناد عن نافع عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال: باللعب والباطل كثير النفقة سمح فيه ولا تطيب نفسه بدرهم يتصدق به وروي أيضاً بالإسناد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من ملأ مسامعه من غناء لم يؤذن أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة. قيل: وما الروحانيون يا رسول الله قال: قراء أهل الجنة" .
{ ليضلّ عن سبيل الله } أي ليضلَّ غيره ومن أضلَّ غيره فقد ضلَّ هو ومن قرأ الياء فالمعنى ليصير أمره إلى الضلال وهو إن لم يكن يشتري للضلال فإنه يصير أمره إلى ذلك. قال قتادة: يحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق وسبيل الله قراءة القرآن وذكر الله عن ابن عباس { بغير علم } معناه أنه جاهل فيما يفعله لا يفعل عن علم { ويتخذها هزواً } أي ويتخذ آيات القرآن هزواً أو ويتخذ سبيل الله هزواً يستهزىء بها { أولئك لهم عذاب مهين } أي مضلٌّ يهينهم الله به.
{ وإذا تتلى عليه آياتنا } أي وإذا قرىء عليه القرآن { ولّى مستكبراً كأن لم يسمعها } أَي أعرض عن سماعه أعراض من لا يسمعه رافعاً نفسه فوق مقدارها { كأنَّ في أذنيه وقراً } أي كأنَّ في مسامعه ثقلاً يمنعه عن سماع تلك الآيات { فبشّره } يا محمد { بعذاب أليم } أي مؤلم موجع في القيامة.
ثم أخبر سبحانه عن صفة المؤمنين المصدقين فقال: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم } يوم القيامة يتنعمون فيها: { خالدين فيها } أي مؤبّدين في تلك الجنات { وعد الله حقاً } أي وعداً وعده الله حقاً لا خلف له: { وهو العزيز } في انتقامه: { الحكيم } في جميع أفعاله وأحكامه لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة.
ثم أخبر سبحانه عن أفعاله الدالة على توحيده فقال: { خلق السماوات } أي أنشأها واخترعها { بغير عمد ترونها } إذ لو كان لها عمد لرأيتموها لأنها لو كانت تكون أجساماً عظاماً حتى يصحّ منها أن تقل السموات ولو كانت كذلك لاحتاجت إلى عمد آخر فكان يتسلسل فإذا لا عمد لها. وقيل: إن المراد { بغير عمد } مرئيّة والمعنى أن لها عمداً لا ترونها عن مجاهد والصحيح الأول: { وألقى في الأرض رواسي } أي جبالاً ثابتة { أن تميد بكم } أي كراهة أن تميد بكم. وقيل: لئلا تميد بكم { وبث فيها } أي فرَّق فيها أي في الأرض { من كل دابة } تدبُّ على وجهها من أنواع الحيوات: { وأنزلنا من السماء ماء } أي غيثاً ومطراً { فأنبتنا فيها } أي في الأرض بذلك الماء { من كل زوج } أي صنف { كريم } أي حسن النبتة طيب الثمرة.