التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ
١٨
وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ
١٩
وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ
٢٠
وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ
٢١
وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ
٢٢
إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ
٢٣
إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ
٢٤
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ
٢٥
ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
٢٦
-فاطر

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الحرور السموم وهي الريح الحارة قال الفراء السموم لا يكون إلا بالنهار والحرور يكون بالليل والنهار والاستواء حصول أحد الشيئين على مقدار الآخر ومنه الاستواء في العود والطريق خلاف الاعوجاج لممره على مقدار وضع له من غير انعدال والاسماع إيجاد المسموع بحيث يدركه السامع.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن عدله في حكمه فقال { ولا تزر وازرة وزر أخرى } أي لا تحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى أي لا يؤاخذ أحد بذنب غيره وإنما يؤاخذ كل بما يقترفه من الآثام { وإن تدع مثقلة إلى حملها } أي وأن تدع نفس مثقلة بالآثام غيرها الى أن يتحمل عنها شيئاً من إثمها { لا يحمل منه شيء } أي لا يحمل غيرها شيئاً من ذلك الحمل { ولو كان ذا قربى } أي ولو كان المدعو إلى التحمل ذا قرابة منها وأقرب الناس إليها ما حمل عنها شيئاً فكل نفس بما كسبت رهينة قال ابن عباس يقول الأب والأم يا بني احمل عني فيقول حسبي ما عليَّ.
{ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } أي وهم غائبون عن أحكام الآخرة وأهوالها وهذا كقوله
{ إنما أنت منذر من يخشاها } [النازعات: 45] والمعنى إن إنذارك لا ينفع إلا الذين يخشون ربهم فكأنك تنذرهم دون غيرهم ممن لا ينفعهم الإنذار. وقيل: الذين يخشون ربهم في خلواتهم وغيبتهم عن الخلق { وأقاموا الصلاة } أي أداموها وقاموا بشرائطها وإنما عطف الماضي على المستقبل إشعاراً باختلاف المعنى لأن الخشية لازمة في كل وقت والصلاة لها أوقات مخصوصة.
{ ومن تزكى } أي فعل الطاعات وقام بما يجب عليه من الزكاة وغيرها من الواجبات. وقيل: تطهر من الأثام { فإنما يتزكّى لنفسه } لأن جزاء ذلك يصل إليه دون غيره { وإلى الله المصير } أي مرجع الخلق كلّهم إلى حيث لا يملك الحكم إلا الله سبحانه فيجازي كُلاًّ على قدر عمله.
{ وما يستوي الأعمى والبصير } أي لا يتساوى الأعمى عن طريق الحق والذي اهتدى إليه قط. وقيل: المشرك والمؤمن { ولا الظلمات } أي ظلمات الشرك والضلال { ولا النور } أي نور الإيمان والهداية وفي قوله { ولا النور } وما بعده من زيادة لا قولان:
أحدهما: أنها زائدة مؤكدة للنفي.
والثاني: أنها نافية لاستواء كل واحد منهما لصاحبه على التفصيل { ولا الظل ولا الحرور } يعني الجنة والنار عن الكلبي. وقيل: يعني ظل الليل والسموم بالنهار { وما يستوي الأحياء ولا الأموات } يعني المؤمنين والكافرين. وقيل: يعني العلماء والجهّال وقال بعضهم أراد نفس الأعمى والبصير والظلّ والحرور والظلمات والنور على طريق ضرب المثل أي كما لا يستوي هذه الأشياء ولا يتماثل ولا يتشاكل فكذلك عبادة الله لا تشبه عبادة غيره ولا يستوي المؤمن والكافر والحق والباطل والعالم والجاهل { إن الله يسمع من يشاء } أي ينفع بالإسماع من يشاء أن يلطف له ويوفِّقه ولم يرد به نفي حقيقة السماع لأنهم كانوا يسمعون آيات الله { وما أنت بمسمع من في القبور } أي إنك لا تقدر على أن تنفع الكفار بإسماعك إيّاهم إذ لم يقبلوا كما لا تسمع من في القبور من الأموات.
{ إن أنت إلا نذير } أي ما أنت إلا مخوّف لهم بالله { إنا أرسلناك بالحق } أي بالدين الصحيح { بشيراً ونذيراً } أي مبشراً للمؤمنين ونذيراً للكافرين { وإن من أمة } أي وما من أمة من الأمم الماضية { إلا خلا فيها نذير } أي مضى فيها مخوّف يخوّفهم وينذرهم فأنت مثلهم نذير لمن جحد بشير لمن وحد. قال الجبائي: وفي هذا دلالة على أنه لا أحد من المكلفين إلا وقد بعث إليه الرسول وأنه سبحانه أقام الحجة على جميع الأمم.
ثم قال تعالى تسلية لنبيّه صلى الله عليه وسلم { وإن يكذبوك } يا محمد ولم يصدّقوك { فقد كذب الذين من قبلهم } من الكفار أنبياء أرسلهم الله إليهم { جاءتهم رسلهم بالبينات } أي بالمعجزات الباهرات والحجج الواضحات { وبالزبر } أي وبالكتب { وبالكتاب المنير } أي الواضح البيّن وإنما كرّر ذلك الكتاب وعطفه على الزبر لاختلاف الصفتين فإن الزبور أثبت في الكتاب من الكتاب لأنه يكون منقراً منقشاً فيه كالنقر في الحجر { ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير } أي فلما كذَّبوا رسلهم ولم يعترفوا بنبوتهم أخذتهم بالعذاب وأهلكتهم ودمَّرت عليهم فكيف كان تعييري وإنكاري عليهم وإنزالي العقاب بهم.