التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً
٤٠
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ ابن كثير ونافع { وإن تك حسنةٌ } بالرفع والباقون بالنصب وقرأ ابن كثير وابن عامر يضعّفها بالتشديد والباقون يضاعفها بالألف.
الحجة: مَنْ نصب حسنة فمعناه وإن تك زنة الذرة حسنة أو إن تك فعلته حسنة ومَنْ رفعها فمعناه وإن يقع حسنة أو أن يحدث حسنة فيكون كان تامة لا تحتاج إلى خبر ويضاعف ويضعف بمعنى واحد. قال سيبويه: يجيء فاعلت ولا يراد به عمل اثنين وكذلك قولـهم ناولته، وعاقبته، وعافاه الله. قال: ونحو ذلك ضاعفت وضعفت وناعمت ونعمت وهذا يدلّ على أنهما لغتان.
اللغة: الظلم هو الألم الذي لا نفع فيه يوفي عليه، ولا دفع مضرة أعظم منه عاجلاً ولا آجلاً، ولا يكون مستحقاً ولا واقعاً على وجه المدافعة، وأصله وضع الشيء في غير موضعه. وقيل: أصله الانتقاص من قولـه: ولم تظلم منه شيئاً، فالظلم على هذا انتقاص الحق، والظلمة انتقاص النور بذهابه، وسقاء مظلوم إذا شرب منه قبل أن يدرك، والظليم ذكر النعام لأنه يضع الشيء غير موضعه من حيث يحضن غير بيضه، وأصل المثقال الثقل فالمثقال مقدار الشيء في الثقل والثقل ما ثقل من متاع السفر.
الإعراب: أصل { تك } تكون، فحذفت الضمة للجزم والواو لسكونها، وسكون النون فأما سقوط النون فلكثرة الاستعمال فكأنهم أرادوا أن يجزموا الكلمة مرة أخرى فلم يجدوا حركة يسقطونها فأسقطوا الحرف وقد ورد القرآن بالحذف والإثبات قال سبحانه:
{ { إن يكن غنياً أو فقيراً } [النساء: 135] ومثل تك قولـهم لا أدر، ولم أبل، والأصل لا أدري ولم أبال: ولدن في موضع جرّ وفيه لغات لدُ ولدن ولَدى ولداً والمعنى واحد ومعناه من قبله. ولدن لما يليك وعند تكون لما يليك وَلِما بُعد منك تقول عندي مال وإن كان بينك وبينه بعد وإذا أضفته إلى نفسك زدت فيه نوناً أخرى ليسلم سكون النون تقول لدني ولدنا وكذلك مني ومنا.
المعنى: { إن الله لا يظلم } أحداً قَطُّ { مثقال ذرة } أي زنة ذرة وهي النملة الحمراء الصغيرة التي لا تكاد تُرى عن ابن عباس وابن زيد وهي أصغر النمل. وقيل: هي جزء من أجزاء الهباء في الكوة من أثر الشمس، وإنما لا يختار الله تعالى الظلم، ولا يجوز عليه الظلم لأنه عالم بقبحه مستغن عنه، وعالم بغناه عنه، وإنما يختار القبيح من يختاره لجهله بقبحه أو لحاجته إليه لدفع ضرر، أو لجرّ نفع، أو لجهله باستغنائه عنه، والله سبحانه منزَّه عن جميع ذلك وعن سائر صفات النقص والعجز ولم يذكر سبحانه الذرة ليقصر الحكم عليها بل إنما خصَّها بالذكر لأنها أقل شيء مما يدخل في وهم البشر.
{ وإن تك حسنة يضاعفها } ومعناه وإن تك زنة الذرَّة حسنة يقبلها، ويجعلها أضعافاً كثيرة. وقيل: يجعلها ضعفين عن أبي عبيدة. وقيل: معناه يُديمها ولا يقطعها. ومثله قولـه:
{ { ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } [الزلزلة: 7] وكلتا الآيتين غاية في الحثِّ على الطاعة والنهي عن المعصية.
وقولـه: { ويؤت من لدنه } أي يعطه من عنده { أجراً عظيماً } أي جزاء عظيماً وهو ثواب الجنة وفي هذه الآية دلالة على أن منع الثواب والنقصان منه ظلم لأنه لو لم يكن كذلك لمّا كان لهذا الترغيب في الآية معنى، وفيها أيضاً دلالة على أنه سبحانه قادر على الظلم لأنه نزَّه نفسه عن فعل الظلم وتمدَّح بذلك فلو لم يكن قادراً عليه لم يكن فيه مدحة.