التفاسير

< >
عرض

أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً
٥٣
أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً
٥٤
فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً
٥٥
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: النقير من النقر وهو النكت ومنه المنقار لأنه ينقر به والناقور الصور لأنه ينقر فيه بالنفخ المصوت، والنقير خشبة ينقر وينبذ فيها، وانتقر: اختص كما تختص بالنقر واحداً واحداً قال طرفة:

نَحْنُ فِي الْمَشْتاةِ نَدْعُو الْجَفْلى لاَ تَــرَى الآدِب فِيــهَا يَنْتَقِرْ

والحسد: تمني زوال النعمة عن صاحبها لما يلحق من المشقة في نيله لها وهو خلاف الغبطة لأن الغبطة تمني مثل تلك النعمة لأجل السرور بها لصاحبها ولهذا صار الحسد مذموماً، والغبطة غير مذمومة وقيل إن الحسد من إفراط البخل لأن البخل منع النعمة لمشقة بذلها، والحسد تمني زوالها لمشقة نيل صاحبها، فالعمل فيهما على المشقة بنيل النعمة وأصل السعير من السعر وهو إيقاد النار، واستعرت النار أو الحرب أو الشرّ وسعرتها أو أسعرتها والسعر سعر المتاع وسعَّره تسعيراً وذلك لاسْتِعارِ السوق بحماها في البيع والساعور كالتنور.
الإعراب: أم هذه هي المنقطعة وليست المعادلة لهمزة الاستفهام التي تسمى المتصلة وتقديره بل أَلَهُمْ نصيب من المُلك. وقال بعضهم: إن همزة الاستفهام محذوفة من الكلام لأنَّ أمْ لا تجيء مبتدأة بها وتقديره أهُمْ أولى بالنبوة أم لهم نصيب من الملك فيلزم الناس طاعتهم وهذا ضعيف لأن حذف الهمزة إنما يجوز في ضرورة الشعر، ولا ضرورة في القرآن وإذن لم يعمل في يؤتون لأنها إذا وقعت بين الفاء والفعل أو بين الواو والفعل جاز أن تقدر متوسطة فتلغى كما يلغى ظننت وأخواتها إذا توسطت أو تأخرت لأن النية به التأخير فالتقدير فلا يؤتون الناس نقيراً إذن لا يلبثون خلافك إلاَّ قليلاً إذن، ويجوز أن تقدر مستأنفة فتعمل مع حرف العطف ولو قرأ فإذاً لا يؤتون الناس لجاز لكن القراءة سنّة متبعة وإذاً لا تعمل في الفعل النصب إلاَّ بشروط أربعة أن تكون جواباً لكلام وأن تكون مبتدأة في اللفظ وأن لا يكون ما بعدها متعلقاً بما قبلها ويكون الفعل بعدها مستقبلاً.
المعنى: لمَّا بيَّن حكم اليهود بأن المشركين أهدى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بيَّن الله سبحانه أن الحكم ليس إليهم إذ الملك ليس لهم فقال { أم لهم نصيب من الملك } وهذا استفهام معناه الإنكار أي ليس لهم ذلك. وقيل: المراد بالملك ههنا النبوة عن الجبائي أي ألهم نصيب من النبوة فيلزم النَّاس اتّباعهم وطاعتهم. وقيل: المراد بالملك ما كانت اليهود تدعيه من أن الملك يعود إليهم في آخر الزمان، وأنه يخرج منهم من يجدّد ملتهم ويدعو إلى دينهم فكذَّبهم الله تعالى { فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً } أي لو أعطوا الدنيا، وملكها لما أعطوا الناس من الحقوق قليلاً ولا كثيراً، وفي تفسير ابن عباس لو كان لهم نصيب من الملك لما أعطوا محمداً وأصحابه شيئاً. وقيل: إنهم كانوا أصحاب بساتين وأموال وكانوا لا يعطون الفقراء شيئاً { أم يحسدون الناس } معناه بل يحسدون الناس واختلف في معنى الناس هنا على أقوال، فقيل: أراد به النبي صلى الله عليه وسلم حسدوه { على ما آتاهم الله من فضله } من النبوة وإباحة تسع نسوة، وميله إليهن. وقالوا: لو كان نبيّاً لشغلته النبوة عن ذلك فبيَّن الله سبحانه أن النبوة ليست ببدع في آل إبراهيم (ع) { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة } يعني النبوة، وقد آتينا داود وسليمان المملكة، وكان لداود تسع وتسعون امرأة ولسليمان مائة امرأة. وقال بعضهم: كان لسليمان ألف امرأة سبعمائة سرية، وثلاثمائة امرأة. وكان لداود مائة امرأة فلا معنى لحسدهم محمداً على هذا وهو من أولاد إبراهيم (ع) وهم أكثر تزويجاً وأوسع مملكة منه عن ابن عباس والضحاك والسدي وقيل لمّا كان قوام الدين به صار حسدهم له كحسدهم لجميع الناس وثانيها: أن المراد بالناس النبي صلى الله عليه وسلم وآله عن أبي جعفر (ع) والمراد بالفضل فيه النبوة وفي آله الإمامة وفي تفسير العياشي بإسناده عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله (ع): يا أبا الصباح نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الأنفال، ولنا صفو المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون الذين قال الله في كتابه: { أم يحسدون الناس } الآية قال: والمراد بالكتاب: النبوة. وبالحكمة: الفهم والقضاء. وبالملك العظيم: افتراض الطاعة وثالثها: أن المراد بالناس محمد وأصحابه لأنه قد جرى ذكرهم في قولـه:
{ هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً } [النساء: 51] ومن فضله من نعمته عن أبي علي الجبائي ورابعها: أن المراد بالناس العرب أي يحسدون العرب لما صارت النبوة فيهم عن الحسن وقتادة وابن جريج. وقيل: المراد بالكتاب: التوراة والإنجيل والزبور وبالحكمة ما أوتوا من العلم.
وقولـه: { وآتيناهم ملكاً عظيماً } المراد بالملك العظيم النبوة عن مجاهد والحسن. وقيل: المراد بالملك العظيم ملك سليمان عن ابن عباس. وقيل: ما أحلّ لداود وسليمان من النساء عن السدي. وقيل: الجمع بين سياسة الدنيا، وشرع الدين. { فمنهم من آمن به } فيه قولان: أحدهما: أن المراد فمن أهل الكتاب من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم { ومنهم من صدَّ عنه } أي أعرض عنه ولم يؤمن به عن مجاهد والزجاج والجبائي ووجه اتصال هذا المعنى بالآية أنهم مع هذا الحسد وغيره من أفعالهم القبيحة فقد آمن بعضهم به والآخر: أن المراد به: فمن أُمة إبراهيم من آمن بإبراهيم ومنهم من أعرض عنه كما أنكم في أمر محمد كذلك وليس ذلك بموهن أمره كما لم يكن إعراضهم عن إبراهيم موهناً أمر إبراهيم { وكفى بجهنم سعيراً } أي كفى هؤلاء المعرضين عنه في العذاب النازل بهم عذاب جهنم ناراً موقدة إيقاداً شديداً يريد بذلك أنه إن صُرف عنهم بعض العذاب في الدنيا فقد أعدَّ لهم عذاب جهنم في العقبى.