التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً
٦٠
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً
٦١
-النساء

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الطاغوت ذو الطغيان على جهة المبالغة في الصفة فكلّ من يُعبَد من دون الله فهو طاغوت، وقد يسمى به الأوثان كما يسمى بأنه رجس من عمل الشيطان، ويوصف به أيضاً كل من طغى بأن حكم بخلاف حكم الله وأصل الضلال: الهلاك بالعدول عن الطريق المؤدّي إلى البغية لأنه ضدّ الهدى الذي هو الدلالة على الطريق المؤدي إلى البغية وله تصرف كثير يرجع جميعه إلى هذه النكتة ذكرناها في سورة البقرة عند قولـه: { وما يضلّ به إلاَّ الفاسقين } [البقرة: 26] وتعالوا أصله من العلو، فإذا قلت لغيرك تعالَ فمعناه ارتفع إليّ، وصددت الأصل فيه أن لا يتعدى تقول صددت عن فلان أصدّ بمعنى أعرضت عنه ويجوز صددت فلاناً عن فلان بالتعدي لأنه دخله معنى منعته عنه ومثله رجعت أنا ورجعتُ غيري لأنه دخله معنى رددته.
الإعراب: صدوداً نصب على المصدر على وجه التأكيد للفعل كقولـه:
{ وكلَّم الله موسى تكليماً } [النساء: 164] والمعنى أنه ليس ذلك على بيان مثل الكلام بل حكمه في الحقيقة. وقيل: في معنى تكليماً أنه كلّمه تكليماً شريفاً عظيماً فيمكن تقدير مثل ذلك في الآية أي يصدون عنك صدوداً عظيماً.
النزول: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة. فقال اليهودي: أحاكم إلى محمد لأَنه علم أنه لا يقبل الرشوة ولا يجور في الحكم فقال المنافق: لا بل بيني وبينك كعب بن الأَشرف لأنه علم أنه يأخذ الرشوة فنزلت الآية عن أكثر المفسرين.
المعنى: لمَّا أمَرَ الله أولي الأَمر بالحكم والعدل، وأمر المسلمين بطاعتهم وصل ذلك بذكر المنافقين الذين لا يرضون بحكم الله ورسوله فقال { ألم تر }: أي ألم تعلم. وقيل: إنه تعجب منه أي ألم تتعجب من صنيع هؤلاء. وقيل: ألم ينته علمك { إلى } هؤلاء { الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك } من القرآن { وما أنزل من قبلك } من التوراة والإِنجيل { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } يعني كعب بن الأَشرف عن ابن عباس ومجاهد والربيع والضحاك. وقيل: إنه كاهن من جهينة أراد المنافق أن يتحاكم إليه عن الشعبي وقتادة. وقيل: أراد به ما كانوا يتحاكمون فيه إلى الأَوثان بضرب القداح عن الحسن. وروى أصحابنا عن السيدين الباقر (ع) والصادق (ع) أن المعني به كل من يتحاكم إليه ممن يحكم بغير الحق { وقد أمروا أن يكفروا به } يعني به قولـه تعالى:
{ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها } [البقرة: 256] ويريد الشيطان بما زيّن لهم { أن يضلَّهم ضلالاً بعيداً } عن الحق نسب إضلالهم إلى الشيطان فلو كان الله قد أضلَّهم بخلق الضلالة فيهم على ما يقولـه المجبّرة لنسب إضلالهم إلى نفسه دون الشيطان تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً { وإذا قيل لهم } أي المنافقين { تعالوا إلى ما أنزل الله } في القرآن من الأَحكام { وإلى الرسول } في حكمه { رأيت } يا محمد { المنافقين يصدّون عنك صدوداً } أي يُعرضون عنك أي عن المصير إليك إلى غيرك إعراضاً.