التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
٣٦
وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ
٣٧
حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ
٣٨
وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ
٣٩
أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٤٠
-الزخرف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ عاصم في رواية حمّاد ويعقوب يقيّض بالياء والباقون نقيّض بالنون وقرأ أهل العراق غير أبي بكر حتّى إذا جاءنا على الواحد والباقون جاءآنا على الاثنين.
الحجة: من قرأ يقيّض بالياء فالضمير يعود إلى الرحمن ومن قرأ بالنون فالمعنى على ذلك لكنّه سبحانه أخبر عن نفسه بنون العظمة ومن قرأ جاءآنا على التثنية فهو الكافر وقرينه ومن قرأ جاءنا فهو الكافر لأنّه أفرد بالخطاب في الدنيا وأقيمت عليه الحجة بإنفاذ الرسول إليه فاجتزئ بالواحد عن الاثنين كما قال
{ { لينبذنّ في الحطمة } [الهمزة: 4] والمراد لينبذنّ هو وماله.
اللغة: العشو أصله النظر ببصر ضعيف يقال عشى يعشو عشواً وعُشُوّاً إذا ضعف بصره وأظلمت عينه كأنّ عليها غشاوة وقال الأعشى:

مَتى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِ تَجِــدْ خَيْـرَ نارٍ عِنْدَها خَيْرُ مُوقِدِ

وإذا ذهب البصر قيل عشي يعشى عشاً والرجل أعشى وقرأ في الشواذ ومن يعش بفتح الشين ومعناه يَعْمَ ويقال عشى إلى النار إذا أتاها وقصد لها وعشى عنها إذا أعرض عنها قاصداً لغيرها كقولهم مال إليه ومال عنه والتقييض الإتاحة. الأزهري قيّض الله فلاناً لفلان جاء به.
المعنى: لما تقدّم ذكر الوعد للمتقين عقّبه بذكر الوعيد لمن هو على ضدّ صفتهم فقال { ومن يَعْشُ عن ذكر الرحمن } أي يعرض عنه عن قتادة والسدّي. وقيل: معناه ومن يعم عنه عن ابن عباس وابن زيد قال الجبائي: شبههم بالأعمى لما لم يبصروا والحق والذكر هو القرآن. وقيل: هو الآيات والأدلّة { نقيّض له شيطاناً فهو له قرين } أي نخلِّ بينه وبين الشيطان الذي يغويه ويدعوه إلى الضلالة فيصير قرينه عوضاً عن ذكر الله عن الحسن وأبي مسلم قال الحسن: وهو الخذلان عقوبة له عن الإعراض حين علم أنه لا يفلح. وقيل: معناه نقرن به شيطاناً في الآخرة يلزمه فيذهب به إلى النار كما أن المؤمن يقرن به ملك فلا يفارقه حتى يصير به إلى الجنة عن قتادة. وقيل: أراد به شياطين الأنس نحو علماء السوء ورؤساء الضلالة يصدّونهم عن سبيل الله فيتبعونهم.
{ وإنهم } يعني وإنّ الشياطين وإنما جمع لأن قوله { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً } في مذهب جمع وإن كان اللفظ على الواحد { ليصدّونهم } أي يصرفون هؤلاء الكفار { عن السبيل } أي عن طريق الجنة { ويحسبون أنّهم مهتدون } أي ويحسب الكفار أنّهم على الهدى فيتبعونهم.
{ حتى إذا جآءنا } من قرأ على التثنية فالمعنى جاءنا الشيطان ومن أغواه يوم القيامة الذي يتولّى سبحانه حساب الخلق فيه ومن قرأ على التوحيد فالمعنى حتى إذا جاءك الكافر وعلم ما يستحقّه من العقاب { قال } في ذلك الوقت لقرينه الذي أغواه { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين } يعني المشرق والمغرب فغلب أحدهما كما قال الشاعر:

أَخَذْنــا بِآفــاقِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ لَنا قَمَراها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ

يعني الشمس والقمر. وقيل: يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وإبراهيم (ع). وقيل: أراد بالمشرقين مشرق الشتاء ومشرق الصيف كما في قوله { { ربّ المشرقين } [الرحمن: 17] والمراد يا ليت بيني وبينك هذا البعد مسافة فلم أرك ولا اغتررت بك { فبئس القرين } كنت لي في الدنيا حيث أضللتني وأوردتني النار وبئس القرين أنت لي اليوم فإنهما يكونان مشدودين في سلسلة واحدة زيادة عقوبة وغمّ عن ابن عباس.
ويقول الله سبحانه في ذلك اليوم للكفار { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنّكم في العذاب مشتركون } أي لا يخفِّف الاشتراك عنكم شيئاً من العذاب لأنّ لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب. وقيل: معناه أنّه لا تسلّى لهم عما هم فيه بما يرونه بغيرهم من العذاب لأنه قد يتسلّى الإنسان عن المحنة إذا رأى أنّ عدوّه في مثلها ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { أفأنت تسمع الصمّ أو تهدي العمي } شبّه الكفار في عدم انتفاعهم بما يسمعونه ويرونه بالصمّ والعمي { ومن كان في ضلال مبين } أي بيّن ظاهر مضاف معناه لا يضيقنّ صدرك فإنّك لا تقدر على إكراههم على الإيمان.