التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١٢
-المائدة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الميثاق اليمين المؤكَّدة لأنها يستوثق بها من الأمر وأصل النقيب في اللغة من النقب وهو الثقب الواسع ونقيب القوم كالكفيل والضمين ينقب عن الأسرار ومكنون الإضمار ومنه نقاب المرأة ومنه المناقب الفضائل لأنها تظهر بالتنقيب عليها والنقب الطريق في الجبل ويقال نقب الرجل على القوم ينقب إذا صار نقيباً وصناعته النقابة ولقد نقب وكذلك عرف عليهم إذا صار عريفاً ونكب عليهم ينكب نكابة إذا صار منكباً وهو عون العريف والنقاب الرجل العالم بالأشياء الذكي القلب الكثير البحث عن الأمور والنُقْبَة أول الجرب وجمعها النُقْب والنُقَب قال:

مُتَبَـــذِّلاً تَبْـــدُو مَحاسِنُــهُ يَضَعُ الْهِناءَ مَواضِعَ النُّقَبِ

وأصل الباب كله معناه التأثير الذي له عمق ودخول فمن ذلك نقبت الحائط أي بلغت في النقب آخره ومن ذلك النقبة في الجرب لأنه داء شديد الدخول والنقبة السراويل التي لا رجلين لها قد بولغ في فتحها وإنما قيل نقيب لأنه يعلم دخيلة أمور القوم ويعرف مناقبهم وهو الطريق إلى معرفة أمورهم قال أبو عبيدة التعزير التوقير وأنشد:

وكَمْ مِنْ مَاجِدٍ لَهُمُ كَريم وَمِنْ لَيْثٍ يُعَزَّرُ في النَّدِيّ

أي يعظّم، والعزر الرد والمنع في قول الفراء تقول: عزّرت فلاناً إذا أدّبته وفعلت به ما يردعه عن القبيح ومنه التعزير في النصرة والتعظيم لأن ذلك يمنع صاحبه ممن أراده بسوء والضلال الركوب على غير هدى وسواء كل شيء وسطه.
الإعراب: إنما قال قرضاً ولم يقل إقراضاً لأنه ردّه إلى قرض قرضاً فإن في أقرضتم معنى القرض وهذا كقولـه:
{ { والله أنبتكم من الأرض نباتاً } [نوح: 17] ولم يقل إنباتاً وقال امرؤ القيس:

وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَعْبَةً أَيّ إِذلالِ

لأن في رضت معنى أذللت.
المعنى: لمّا بيَّن سبحانه اليهود وهمّهم بقتله وأنه دفع عنه شرهم عَقَّبه بذكر أحوال اليهود وخبث سرائرهم وقبح عادتهم في خيانة الرسل تسلية لنبيّه فيما همّوا به فقال { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل } أي عهدهم المؤكد باليمين بإخلاص العبادة له والإيمان برسله وما يأتون به من الشرائع { وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً } أي أمرنا موسى بأن يبعث من الأسباط الاثني عشر اثني عشر رجلاً كالطلائع يتجسَّسون ويأتون بني إسرائيل بأخبار أرض الشام وأهلها الجبارين فاختار من كل سبط رجلاً يكون لهم نقيباً أي أميناً كفيلاً فرجعوا ينهون قومهم عن قتالهم لما رأوا من شدة بأسهم وعظم خلقهم إلا رجلين منهم كالب بن يوفنا ويوشع بن نون عن مجاهد والسدي. وقيل: معناه أخذنا من كل سبط منهم ضميناً بما عقدنا عليهم من الميثاق في أمر دينهم عن الحسن والجبائي. وقيل: معناه اثني عشر رئيساً وقيل شهيداً على قومه عن قتادة. وقال البلخي: يجوز أن يكونوا رسلاً ويجوز أن يكونوا قادة. وقال أبو مسلم بعثوا أنبياء ليقيموا الدين ويعلموا الأسباط التوراة ويأمروهم بما فرض الله عليهم وأمرهم به.
{ وقال الله إني معكم } قيل إنه خطاب للنقباء عن الربيع. وقيل: خطاب لبني إسرائيل الذين أخذ منهم الميثاق ويجوز أن يدخل فيهم النقباء عن أكثر المفسرين أي قال الله لهم فحذف لدلالة الكلام عليه أني معكم بالنصر والحفظ أنصركم على عدوي وعدوكم الذين أمرتكم بقتلهم أن قاتلتموهم ووفيتم بعهدي وميثاقي الذي أخذته عليكم ثم ابتدأ سبحانه فقال { لئن أقمتم الصلاة } يا معشر بني إسرائيل { وآتيتم الزكاة } أي أعطيتموها { وآمنتم برسلي } أي صدقتم بما أتاكم به رسلي من شرائع ديني. وقيل: إنه خطاب للنقباء { وعزرتموهم } أي نصرتموهم عن الحسن ومجاهد والزجاج. وقيل: عظمتموهم ووقرتموهم وأطعتموهم عن ابن زيد وأبي عبيدة { وأقرضتم الله قرضاً حسناً } أي أنفقتم في سبيل الله وأعمال البر نفقة حسنة يجازيكم بها فكأنه قرض من هذا الوجه. وقيل: معنى قولـه: { حسناً } عفواً عن طيبة نفس وإن لا يتبعه منٌّ ولا أذى وقيل يعني حلالاً { لأكفرن عنكم سيئاتكم } أي لأعطين على ما مضى من إجرامكم بعفوي وإسقاطي عنكم وبال ذلك { ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار } ظاهر المعنى.
{ فمن كفر بعد ذلك منكم } أي بعد بعث النقباء وأخذ الميثاق { فقد ضل سواء السبيل } أي أخطأ قصد الطريق الواضح وزال عن منهاج الحق وفي هذا دلالة وإشارة إلى أن الحق بين الغلو والتفريط كما روي عن أمير المؤمنين (ع) اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة إلى آخر كلامه.