التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
١٤
-المائدة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: معنى الإغراء تسليط بعضهم على بعض. وقيل: معناه التحريش وأصله اللصوق. ويقال: غريت بالرجل غرى إذا لصقت به عن الأصمعي. وقال غيره: غريت به غراء ممدود وأغريت زيداً بكذا حتى غري به ومنه الغراء الذي تلصق به الأشياء.
المعنى: ثم بيَّن سبحانه حال النصارى في نقضهم ميثاق عيسى (ع) كما بيَّن حال اليهود في نقضهم ميثاق موسى (ع) فقال { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم } أي ومن الذين ذكروا أنهم نصارى أخذنا الميثاق بالتوحيد والإقرار بنبوة المسيح وجميع أنبياء الله وأنهم كانوا عبيد الله فنقضوا هذا الميثاق وأعرضوا عنه وهذا إشارة إلى أنهم ابتدعوا النصرانية التي هم عليها اليوم وتسموا بها ولهذا لم يقل من النصارى إلا أنه سبحانه أطلق هذا الاسم في مواضع عليهم لأنه صار سمة لهم وعلامة عن الحسن { فنسوا حظاً مما ذكروا به } مرّ بيانه.
{ فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء } اختلف فيه فقيل: المراد بين اليهود والنصارى عن الحسن وجماعة من المفسرين. وقيل: المراد بين أصناف النصارى خاصة من اليعقوبية والملكائية والنسطورية من الخلاف والعداوة عن الربيع واختاره الزجاج والطبري وإنما أغرى بينهم العداوة بالأهواء المختلفة في الدين وذلك أن النسطورية قالت: إن عيسى ابن الله واليعقوبية قالت: إن الله هو المسيح ابن مريم والملكائية وهم الروم قالوا: إن الله ثالث الله وعيسى ومريم. وقيل: يأمر بعضهم أن يعادي بعضاً عن الجبائي فكأنه يذهب إلى الأمر بمعاداة الكفار وإن هؤلاء يكفر بعضهم بعضاً.
وقولـه: { إلى يوم القيامة } عنى به أن المعاداة تبقى بينهم إلى يوم القيامة أما بين اليهود والنصارى وأما بين فرق النصارى وقيل الوجه في قولـه تعالى: { فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء } أنه أخبر أنهم اختلفوا فيما بينهم وكلهم على خطأ وضلال وقد جعل الله سبحانه على كل مقالة من مقالاتهم التي اخطأوا فيها دلائل عرف بها بعضهم خطأ بعض فتعادوا على ذلك وتباغضوا ولم تعرف كل فرقة منهم خطأ أنفسهم فلما لم يصل كل منهم إلى المعرفة بخطأ صاحبه إلا من جهة كتاب الله ودلائله والتعادي بينهم كان من أجل ذلك جاز أن يقول فأغرينا بينهم على هذا الوجه عن جعفر بن حارث. وقيل: الوجه في ذلك أنا أخطرنا على بال كل منهم ما يوجب الوحشة والنفرة عن صاحبه وما يهيج العصبية والعداوة عقوبة لهم على تركهم الميثاق { وسوف ينبئهم الله } عند المحاسبة { بما كانوا يصنعون } في الدنيا من نقض الميثاق ويعاقبهم على ذلك بحسب استحقاقهم فكأنه لما قال سبحانه: { فاعف عنهم واصفح } بيّن بعد ذلك أنه من وراء الانتقام منهم وأنه سيجازيهم على صنيعهم وقبيح فعلهم.