التفاسير

< >
عرض

يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
٥٧
-المائدة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل البصرة والكسائي والكفَّار بالجر وقرأ الباقون بالنصب.
الحجة: حجة من قرأ بالجر أنه حمل الكلام على أقرب العاملين وهو عامل الجر، وحجة من نصب أنه عطف على العامل الناصب فكأنه قال: لا تتخذوا الكفار أولياء قال الزجاج: يجوز في هزواً أربعة أوجه إن شئت قلت هُزُؤاً بضم الزاي وتحقيق الهمزة وهو الأَصل والأَجود وإن شئت قلت هُزُواً وأبدلت من الهمزة واواً لانضمام ما قبلها وإن شئت قلت هُزْؤاً بإسكان الزاي وتحقيق الهمزة فهذه الأَوجه الثلاثة جيدة يقرأ بهن وفيها وجه آخر لا يجوز القراءة به وهو أن يقول هُزاً مثل هُدًى وذلك أنه يجوز إذا أردت تخفيف همزة هُزْءاً أن تطرح حركتها إلى الزاي كما تقول رأيت خَباً تريد خَبَاءً.
اللغة: الهزؤ السخرية وهو إظهار ما يلهي تعجباً مما يجري قال الله تعالى:
{ ولقد استهزئ برسل من قبلك } [الأنعام: 10] وقال الشاعر:

أَلا هَزَئَتْ وَأَعْجَبَهَا الْمَشيـبُ فَلا نُكْرٌ لَدَيْــكَ وَلا عَجيبُ

يقال: هزأ به وَتَهَزَّأ هُزْأً واستهزأ واللعب الأَخذ على غير طريق الحق ومثله العبث وأصله من لعاب الصبي. يقال: لعب يلعب إذا سال لعابه لأَنه يخرج إلى غير جهته اللاعب يمرّ إلى غير جهة الصواب.
النزول: قيل: كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإِسلام ثم نافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فنزلت الآية عن ابن عباس.
المعنى: ثم أكَّد سبحانه النهي عن موالاة الكفار فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً } أي أظهروا الإِيمان باللسان واستبطنوا الكفر فذلك معنى تلاعبهم بالدين { من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } يعني اليهود والنصارى { والكفار } بالجر أي ومن الكفار { أولياء } بطانة وأخلاء فيكون الهزء من الكتابي ومن المشرك والمنافق ويدل على استهزاء المشركين قولـه سبحانه:
{ إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر } [الحجر: 95] ويدل على استهزاء المنافقين قولـه: { { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون } [البقرة: 14].
وكل من ذكرنا من المشركين والمنافقين ومن لم يسلم من اليهود والنصارى يقع عليه اسم كافر يدل على ذلك قولـه:
{ { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب } [البينة: 1] والمشركين منفكين فإذا وقع على المستهزئين اسم كافر حسن أن يكون قولـه: { والكفار } تبييناً للاسم الموصول وهو الذي اتخذوا دينكم هزواً ولعباً كما كان قولـه: { من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } تبييناً له ولو قال من الكفار فبيّن به لعمَّ الجميع ولكن الكفار كان إطلاقه على المشركين أغلب وأهل الكتاب على من إذا عاهد دخل في ذمة المسلمين وقبلت منه الجزية وأقرَّ على دينه أغلب فلذلك فصل بينهما وأما القراءة بالنصب فمعناه لا تتخذوا المستهزئين من أهل الكتاب ولا تتخذوا الكفار أولياء { واتقوا الله } في موالاتهم بعد النهي عنها { إن كنتم مؤمنين } بوعده ووعِيده أي ليس من صفات المؤمنين موالاة من يطعن في الدين فمن كان مؤمناً غضب لإِيمانه على من طعن فيه وكافأه بما يستحقه من المقت والعداوة.