التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ
٦١
وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٦٢
لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
٦٣
-المائدة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الفرق بين الإِثم والعدوان أن الإِثم الجرم كائناً ما كان والعدوان الظلم وقد مرّ معنى السحت قبل والصنع والعمل واحد وقيل الفرق بينهما أن الصنع مضمّن بالجودة من قولـهم ثوب صنيع وفلان صنيعة فلان إذا استخلصه على غيره وصنع الله لفلان أي أحسن إليه وكل ذلك كالفعل الجيد.
الإِعراب: قد تدخل في الكلام على وجهين إذا كانت مع الماضي قريبة من الحال وإذا كانت مع المستقبل دلّت على التقليل وموضع الباء من قولـه وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به نصب على الحال لأَن المعنى دخلوا كافرين وخرجوا كافرين لأَنه لا يريد أنهم دخلوا يحملون شيئاً وهو كقولك: خرج زيد بثيابه أي وثيابه عليه يريد خرج لابساً ثيابه ومثله قول الشاعر.

وَمُسْتَنَّـــةٍ كَاسْتِنانِ الخَرُو فِ قَدْ قَطَعَ الحَبْلَ بِالْمِرْوَدِ

أي وفيه المِرْود يعني وهذه صفته والفرق بين قولك متى جاؤكم وإذا جاءوكم أنَّ متى يتضمن معنى أن الجزاء ويعمل فيه جاؤكم ولا يجوز أن يعمل في إذا لأَن إذا مضاف إلى ما بعده والمضاف إليه لا يعمل في المضاف لأَنه من تمامه لِبَئْسِ اللام فيه لام القسم ولا يجوز أن يكون لام الابتداء لأَنها لا تدخل على الفعل إلا في باب إنَّ خاصة لأَنها أخرت إلى الخبر لئلا يجتمع حرفان متفقان في المعنى. وقولـه: { لبئس ما كانوا يعملون } يدل على أن المدح والذم يكونان بالأَفعال لأَنه بمنزلة لبئس العمل عملهم وما يحتمل أمرين: أحدهما: أن تكون كافة كما تكون في إنّما زيد منطلق وليتما عمرو قائم فلا يكون لها على هذا موضع الثاني: أن يكون نكرة موصوفة كأنه قيل لبئس شيئاً كانوا يعملون ولولا ههنا بمعنى هلاَّ.
قال علي بن عيسى: وأصلها التقرير لوجوب الشيء عن الأَول فنقلت إلى التحضيض على فعل الثاني من أجل الأَول وإن لم يذكر لا ولا بدّ معها من لا لأَنه دخلها معنى لم لا تفعل ومتى قيل كيف تدخل لولا على الماضي وهي للتحضيض وفي التحضيض معنى الأَمر قيل: لأَنها تدخل للتحضيض والتوبيخ فإذا كانت مع الماضي فهو توبيخ كقولـه تعالى:
{ { لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء } [النور: 13].
المعنى: ثم أخبر الله تعالى عن هؤلاء المنافقين بقولـه: { وإذا جاؤوكم } أيها المؤمنون { قالوا آمنا } أي صدّقنا { وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به } قيل فيه قولان أحدهما: أنهم دخلوا به على النبي صلى الله عليه وسلم وخرجوا به من عنده أي دخلوا وخرجوا كافرين والكفر معهم في كلتا حالتيهم عن الحسن وقتادة والثاني: أن معناه وقد دخلوا به في أحوالهم وخرجوا به إلى أحوال أخر كقولك هو يتقلب في الكفر ويتصرف فيه وقولـه { وهم قد خرجوا به } أكَّد الكلام بالضمير تعييناً إياهم بالكفر وتمييزاً لهم من غيرهم بهذه الصفة.
{ والله أعلم بما كانوا يكتمون } معناه بما كانوا يكتمون من نفاقهم إذا أظهروا بألسنتهم ما أضمروا خلافة في قلوبهم ثم بيَّن الله سبحانه أنهم يضمُّون إلى نفاقهم خصالاً أخر ذميمة فقال { وترى } يا محمد { كثيراً منهم } قيل: المراد بالكثير رؤساؤهم وعلماؤهم { يسارعون } يبادرون { في الإِثم والعدوان } قيل الإِثم الكفر عن السدي والعدوان مجاوزة حدود الله وتعدّيها. وقيل: الإِثم كل معصية وهو الأُولى والعدوان الظلم أي يسارعون في ظلم الناس وفي الجرم الذي يعود عليهم بالوبال والخسران { وأكلهم السحت } أي الرشوة في الحكم عن الحسن وسمَّاها سحتاً لأَنه يؤدي إلى الاستئصال. ويقال: لأَنها تذهب بالبركة من المال. قال: أهل المعاني أكثر ما تستعمل المسارعة في الخير كقولـه تعالى { يسارعون } وفائدة لفظة المسارعة وإن كان لفظ العجلة أدلّ على الذم أنهم يعملونه كأنهم محقّون فيه ولذلك قال ابن عباس في تفسيره وأنهم يجترؤون على الخطأ.
{ لبئس ما كانوا يعملون } أي لبئس العمل عملهم { لولا ينهاهم } أي هلا ينهاهم والكناية في هم تعود إلى الكثير { الربانيون } أي العلماء بالدين الذين من قبل الرب على وجه تغير الاسم كما قالوا: روحاني بالنسبة إلى الروح وبحراني بالنسبة إلى البحر وقال الحسن: الربانيون علماء أهل الإِنجيل { والأَحبار } علماء أهل التوراة وقال غيره كلهم من اليهود لأَنه يتصل بذكرهم { عن قولـهم الإِثم } أي عن تحريفهم الكتاب. وقيل: عن كل ما قالوه بخلاف الحق { وأكلهم السحت } أي الحرام والرشوة { لبئس ما كانوا يصنعون } أي لبئس الصنع صنعهم حيث اجتمعوا على معصية الله وأنذر سبحانه علماءهم بترك التكبّر عليهم فيما ضيَّعوا منزلتهم فذمَّ هؤلاء بمثل اللفظة التي ذمَّ بها أولئك وفي هذه الآية دلالة على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبة وفيه وجوب الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.