التفاسير

< >
عرض

ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٩٨
مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
٩٩
-المائدة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: العلم ما اقتضى سكون النفس فإن شئت قلت هو اعتقاد الشيء على ما هو به عليه مع سكون النفس إلى ما اعتقده والأول أوجز ولا يجوز أن يحدَّ العلم بالمعرفة لأن المعرفة هي العلم فكيف يحدُّ الشيء بنفسه والعلم يتناول الشيء على ما هو به وكذلك الرؤية والفرق بينهما أن العلم يتعلق بالمعلوم على وجوه والرؤية لا تتعلق بالمرئي إلا على وجه واحد والعلم معنى يحل القلب والرؤية ليست معنى على الحقيقة لكن للرائي صفة بكونه رائياً والعقاب هو الضرر المستحق المقارن للاستخفاف والإهانة ولو اقتصرت على أن تقول هو الضرر المستحق لكان كافياً وكذلك لو قلت هو الضرر الذي يقارنه استخفاف وإهانة لكفى وإنما سمي عقاباً لأنه يستحق عقيب الذنب الواقع من صاحبه والمغفرة هي ستر الخطيئة برفع عقابها.
وأصل الرسول من الإرسال وهو الإطلاق. يقال أرسل الطير إذا أطلقه وترسَّل في القراءة إذا تَثبَّت واسترسل الشيء إذا تسلس والرِسْل اللبن لاسترساله من الضرع والفرق بين الإرسال والإنباء أن الإنباء عن الشيء قد يكون من غير تحميل النبأ، والإرسال لا يكون إلا بتحميل الرسالة والبلاغ وصول المعنى إلى غيره وهو ها هنا وصول الإنذار إلى نفوس المكلفين. وأصل البلاغ البلوغ ومنه البلاغة وهي إيصال المعنى إلى النفس في حسن صورة من اللفظ والبلاغ الكفاية لانه يبلغ مقدار الحاجة.
المعنى: لمَّا تقدم بيان الأحكام عَقَّبَه سبحانه بذكر الوعد والوعيد فقال: { اعلموا أن الله شديد العقاب } لمن عصاه: { وأن الله غفور رحيم } لمن تاب وأناب وأطاع وجمع بين المغفرة والرحمة ليعلم أنه لا يقتصر على وضع العقاب عنه بل ينعم عليه بفضله ولمَّا أنذر وبَشَّرَ في هذه الآية عَقَّبَها بقولـه: { ما على الرسول إلا البلاغ } أي ليس على الرسول إلا أداء الرسالة وبيان الشريعة فأما القبول والامتثال فإنه يتعلق بالمكلفين المبعوث إليهم: { والله يعلم ما تبدون وما تكتمون } أي لا يخفى عليه شيء من أحوالكم التي تظهرونها وتخفونها وفيه غاية الزجر والتهديد وفي قولـه: سبحانه: { اعلموا أن الله شديد العقاب } الآية دلالة على وجوب معرفة العقاب والثواب لكونهما لطفاً في باب التكليف.