التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
١٩
ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٢٠
-الأنعام

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: شهادة نصب على التمييز ومن بلغ في محل نصب بالانذار والعائد إلى الموصول محذوف وائنكم كتب بالياء لأن الهمزة التي قبلها همزه تُخَفَّف بأن تجعل بين بين فإذا كانت مكسورة تجعل بين الهمزة والياء فكتب بالياء الذين آتيناهم الكتاب رفع بالابتداء ويعرفونه خبره الذين خسروا أنفسهم رفع بكونه نعتاً للذين الأولى ويجوز أن يكون رفعاً بالابتداء وقولـه فهم لا يؤمنون خبره.
النزول: قال الكلبي: أتى أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أما وجد الله رسولاً غيرك ما نرى أحداً يصدّقك فيما تقول ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر فأرنا من يشهد أنَّك رسول الله كما تزعم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
المعنى: { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار { أيُّ شيء أكبر } أي أعظم { شهادة } وأصدق حتى آتيكم به وأدلُّكم بذلك على أني صادق ومعناه أيُّ شيء أكبر شهادة حتى يشهد لي بالبلاغ وعليكم بالتكذيب عن الجبائي. وقيل: معناه أيُّ شيء أعظم حجة وأصدق شهادة عن ابن عباس فإن قالوا الله وإلا فقل لهم { الله شهيد بيني وبينكم } يشهد لي بالرسالة والنبوة. وقيل: معناه يشهد لي بتبليغ الرسالة إليكم وتكذيبكم إيّاي.
{ وأوحي إليَّ هذا القرآن } أي أنزل إليَّ حجة أو شهادة على صدقي { لأنذركم به } أي لأخوَّفكم به من عذاب الله تعالى { ومن بلغ } أي ولا خَوِّف به من بلغه القرآن إلى يوم القيامة وروى الحسن في تفسيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من بلغه أني أدعو إلى أن لا إله إلا الله فقد بلغه" يعني بلغته الحجة وقامت عليه. وقال محمد بن كعب: من بلغه القرآن فكأنما رأى محمداً وسمع منه. وقال مجاهد: حيث ما يأتي القرآن فهو داعٍ ونذير. وقرأ هذه الآية.
وفي تفسير العياشي قال أبو جعفر وأبو عبد الله (ع): من بلغ معناه من بلغ أن يكون إماماً من آل محمد فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فيكون قولـه ومن بلغ في موضع رفع عطفاً على الضمير في أنذر وفي الآية دلالة على أن الله تعالى يجوز أن يسمي شيئاً لأن قولـه أيُّ شيء أكبر شهادة جاء جوابه قل الله ومعنى الشيء إنه ما يصحُّ أن يعلم ويخبر عنه فالله سبحانه شيء لا كالأشياء بمعنى أنه معلوم لا كالمعلومات التي هي الجواهر والأعراض والاشتراك في الاسم لا يوجب التماثل وفي قولـه ومن بلغ دلالة على أنه خاتم الأنبياء ومبعوث إلى الناس كافة.
ثم قال سبحانه مُوَبِّخاً لهم قل يا محمد لهم { أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى } هذا استفهام معناه الجحد والإنكار وتقديره كيف تشهدون أن مع الله آلهة أخرى بعد وضوح الأدلة وقيام الحجة بوحدانية الله تعالى وإنما قال أخرى ولم يقل آخر لأن الآلهة جمع والجمع مؤنث فهو كقولـه
{ ولله الأسماء الحسنى } [الأعراف: 180] وقولـه فما بال القرون الأولى ولم يقل الأول.
ثم قال سبحانه لنبيّه { قل } أنت يا محمد { لا أشهد } بمثل ذلك وإن شهدتم بإثبات الشريك لله بعد قيام الحجة بوحدانية الله تعالى والشاهد هو المبين لدعوى المدعي ثم قال: { قل } يا محمد لمن شهد أنَّ معه آلهة أخرى { إنما هو إله واحد وإنَّني بريء مما تشركون } به وبعبادته من الأوثان وغيرها ولهذا قال أهل العلم يستحبُّ لمن أسلم ابتداء أن ياتي بالشهادتين ويتبرأ من كل دين سوى الإسلام.
ثم ذكر سبحانه أن الكفار بين جاهل ومعاند فقال { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } وهذا مفسَّرٌ في سورة البقرة { الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون } مفسَّرٌ في هذه السورة فإن حملته على أنه صفة للذين الأولى فالمعنيُّ به أهل الكتاب وإن حملته على الابتداء فإنه يتناول جميع الكفار. وقال أبو حمزة الثمالي: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال عمر لعبد الله بن سلام: إن الله تعالى أنزل على نبيّه صلى الله عليه وسلم أن أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم كيف هذه المعرفة قال عبد الله بن سلام: نعرف نبيّ الله بالنعت الذي نعته الله إذا رأيناه فيكم كما يعرف أخدنا ابنه إذا رآه بين الغلمان وأيم الله الذي يحلف به ابن سلام لإنه بمحمد أشدُّ معرفة مني بابني فقال له: كيف قال عبد الله: عرفته بما نعته الله لنا في كتابنا فاشهد أنه هو فأما ابني فإني لا أدري ما أحدثت أمَّه فقال قد وفقت وصدقت وأصبت.