التفاسير

< >
عرض

وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
٢٦
-الأنعام

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: النأي البعد يقال نأيت عنه أنأى نأياً ومنه أخذ النُّؤى وهو الحاجز حول البيت لئلا يدخله الماء.
المعنى: ثم كنّى عن الكفار الذين تقدم ذكرهم فقال { وهم ينهون عنه وينئون عنه } أي ينهون الناس عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ويتباعدون عنه فراراً منه عن ابن عباس ومحمد ابن الحنفية والحسن والسدي، وقيل: معناه ينهون الناس عن استماع القرآن لئلا يقع في قلوبهم صحته ويتباعدونهم عن استماعه عن قتادة ومجاهد واختاره الجبائي. وقيل: عنى به أبا طالب بن عبد المطلب ومعناه يمنعون الناس عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتبعونه عن عطاء ومقاتل وهذا لا يصح لأن هذه الآية معطوفة على ما تقدمها وما تأخر عنها معطوف عليها وكُلُّها في ذم الكفار المعاندين للنبي صلى الله عليه وسلم هذا.
وقد ثبت إجماع أهل البيت (ع) على إيمان أبي طالب وإجماعهم حجة لأنهم أحد الثقلين اللذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتمسك بهما بقولـه إن تمسكتم بهما لن تضلوا ويدلُّ على ذلك أيضاً
"ما رواه ابن عمر أن أبا بكر جاء بأبيه أبي قحافة يوم الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم فقال صلى الله عليه وسلم: ألا تركت الشيخ فآتيه وكان أعمى فقال أبو بكر أردت أن يأجره الله تعالى والذي بعثك بالحق لأنا كنت بإسلام أبي طالب أشدُّ فرحاً مني بإسلام أبي التمس بذلك قرة عينك فقال صلى الله عليه وسلم: صدقت" وروى الطبري بإسناده أن رؤساء قريش لما رأوا ذَبَّ أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعوا عليه وقالوا جئناك بفتى قريش جمالاً وجوداً وشهامة عمارة بن الوليد ندفعه إليك وتدفع إلينا ابن أخيك الذي فرَّق جماعتنا وسفَّه أحلامنا فنقتله فقال أبو طالب: ما انصفتموني تعطونني ابنكم فأغذوه وأعطيكم ابني فتقتلونه بل فليأت كل امرىء منكم بولده فأقتله وقال:

مَنَعْنَا الْرَسُولَ رَسُولَ الْمَلِيــكِ بِبِيضٍ تَلالا كَلَمْعِ الْـبُــرُقِ
أذُودُ وَأحْمي رَسُولَ الْمَليــــكِ حِمايَةَ حامٍ عَلَيْهِ شَفِــيقِ

وأقواله وأشعاره المنبئة عن إسلامه كثيرة مشهورة لا تحصى فمن ذلك قولـه:

ألَمْ تَعْلَمُوا أنَّا وَجَدْنا مُحَمَّـــداً نَبِيَّاً كَمُوسى خُطَّ فِي أوَّلِ الْكُتُبِ
ألَيْسَ أبُونا هاشِمٌ شَــدَّ أزْرَهُ وَأوْصى بَنِيهِ بِالْطِّعان وَبِالْحَرْبِ

وقولـه من قصيدة:

وَقالُوا لأحْمَدَ أنْــــتَ امْرُءٌ خَلُوفُ الْلِّسانِ ضَعِيفُ السَّببِ
ألا إنَّ أحْمَـــدَ قَدْ جاءَهُـــــمْ بِحَقٍّ وَلَمْ يَأْتِهِــــمْ بِالْكَـــــذِبِ

وقولـه في حديث الصحيفة وهو من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم:

وَقَدْ كانَ فِي أمْرِ الْصَّحِيفَةِ عِبْرَةً مَتى ما يُخَبَّرْ غائِبُ الْقَوْمِ يَعْجَب
مَحَا اللهُ مِنْها كُفْرَهُمْ وَعُقُوقَهُمْ وَما نَقَمُوا مِنْ ناطِقِ الحَّقِ مُعْرِب
وَأمْسَى ابْنُ عَبْدِ اللهِ فِينا مَصَدِّقاً عَلى سَخَطٍ مِنْ قَوْمِنا غَيْرَ مُعْتَب

وقولـه في قصيدة يحضّ أخاه حمزة على اتباع النبي والصبر في طاعته:

صَبْراً أبا يَعْلى عَلَى دِينِ أحْمَدٍ وَكُنْ مُظْهِراً لِلدِّينِ وُفِّقْت صابِرا
فَقَدْ سَرَّنِي إذْ قُلْت أنَّكَ مَؤْمِــــنٌ فَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ فـِـــي اللهِ ناصِرا

وقولـه في قصيدة:

أُقِيمُ عَلى نَصْرِ النَّبِي مُحَمّدٍ أُقاتِلُ عَنْهُ بِالقَنا وَالقَنابِل

وقولـه يحضّ النجاشي على نصر النبي:

تَعَلَّمْ مَلِيكَ الْحُبْشِ أنَّ مُحَمَّداً وَزِيرٌ لِمُوسى وَالمَسيحِ ابْنِ مَرْيَمِ
أتى بِهُدًى مِثْلُ الَّذِي أتَيا بِـهِ وَكُلٌّ بِأمْرِ اللِه يَهْــدِي وَيَعْصِــــــمِ
وَإنَّكُمُ تَتْلُونَـــــهُ فِي كِتابِكُـمْ بِصِدْقِ حَــدِيثٍ لا حَدِيثِ المُـرَجِّمِ
فَلا تَجْعَلُوا للهِ نِدّاً وَأسْلِمُوا وَإنَّ طَــرِيقَ الحَــقِّ لَيْــسَ بِمُظْلِــمِ

وقولـه في وصيته وقد حضرته الوفاة:

أوْصِي بِنَصْرِ النَّبِي الْخَيْرِ مَشْهَدُهُ عَلِيّــاً ابْنِي وَشَيْخَ الْقَـــوْمِ عَبَّاســــا
وَحَمْزَةَ الأسَلِ الحامِي حَقِيقَتَــــــهُ وَجَعْفَــــراً أنْ يَـــذُودوا دُونَهُ النَّاسا
كُونُوا فَدًى لَكُمُ أُمِّي وَما وَلَـــدَتْ فِي نَصْرِ أحْمَدَ دُونَ النَّاسِ أتْراسا

في أمثال هذه الأبيات مما هو موجود في قصائده المشهورة ووصاياه وخطبه يطول بها الكتاب على أن أبا طالب لم ينأ عن النبي صلى الله عليه وسلم قطُّ بل كان يقرب منه ويخالطه ويقوم بنصرته فكيف يكون المعنى بقولـه وينأون عنه { وإن يهلكون إلا أنفسهم } معناه ما يهلكون بنهيهم عن قبوله وبعدهم عنه إلا أنفسهم { وما يشعرون } أي وما يعلمون إهلاكهم إياها بذلك.