التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ
٦٨
وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
٦٩
-الأنعام

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ ابن عامر وحده يُنَسِّيَنَّكَ بالتشديد والباقون يُنْسِيَنَّك بالتخفيف.
الحجة: حجة من خفف قولـه
{ وما أنسانية إلا الشيطان } [الكهف: 63] وحجة ابن عامر أنه يجوز نقل الفعل بتضعيف العين كما يجوز نقله بالهمزة كما يقال عزمته وأعزمته.
الإعراب: ذكرى يجوز أن يكون في موضع نصب على معنى ولكن ذَكِّروهم ذكرى ويجوز أن يكون في موضع رفع على أحد وجهين إما أن يكون على معنى ولكن الذي تأمرونهم به ذكرى فيكون خبر المبتدأ وإما أن يكون عليكم ذكرى أي عليكم إن تذكروهم كما قال
{ إن عليك إلا البلاغ } [الشورى: 48] وعلى هذا فيكون ذكرى مبتدأ.
النزول: قال أبو جعفر (ع): لما نزلت { فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } قال المسلمون كيف نصنع إن كان كلما استهزأ المشركون بالقرآن قمنا وتركناهم فلا ندخل إذاً المسجد الحرام ولا نطوف بالبيت الحرام فأنزل الله سبحانه { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } أمرهم بتذكيرهم وتبصيرهم ما استطاعوا.
المعنى: ثم أمر سبحانه بترك مجالستهم عند استهزائهم بالقرآن فقال { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أي إذا رأيت هؤلاء الكفار. وقيل: الخطاب له والمراد غيره ومعنى يخوضون يكذِّبون بآياتنا وديننا عن الحسن وسعيد بن جبير والخوض التخليط في المفاوضة على سبيل العبث واللعب وترك التفهم والتبيين.
{ فأعرض عنهم } أي فاتركهم ولا تجالسهم { حتى يخوضوا في حديث غيره } أي يدخلوا في حديث غيره الاستهزاء بالقرآن وإنما أمره صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم لأن مَنْ حاجَّ مَنْ هذه حاله فقد وضع الشيء غير موضعه وحَطَّ من قدر البيان والحجاج { وإما ينسينك الشيطان } المعنى وإن أنساك الشيطان نهينا إياك عن الجلوس معهم ويسأل على هذا فيقال كيف أضاف النسيان إلى الشيطان وهو فعل الله تعالى والجواب إنما أضافه إلى الشيطان لأن تعالى أجرى العادة بفعل النسيان عند الإعراض عن الفكر وتراكم الخواطر الردية والوساوس الفاسدة من الشيطان فجاز أضافة النسيان إليه لما حصل عند فعله كما أن من ألقى غيره في البرد حتى مات فإنه يضاف الموت إليه لأئه عرضه لذلك وكان كالسبب فيه.
{ فلا تقعد بعد الذكرى } أي بعد ذكرك نهينا وما يجب عليك من الإعراض عن الجبائي. وقيل: معناه بعد أن تذكرهم بدعائك إياهم إلى الدين عن أبي مسلم فكأنه قال أعرض في حال اليأس وذَكَّرِ في حال الطمع { مع القوم الظالمين } يعني في مجالس الكفار والفساق الذي يظهرون التكذيب بالقرآن والآيات والاستهزاء بذلك وبه قال سعيد بن جبير والسدي: واختاره البلخي وقال كان ذلك في أول الإسلام وكثر المسلمون نهوا عن مجالستهم ونسخت هذه الآية بقولـه
{ فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره } [النساء: 140] إنكم إذاً مثلهم.
قال الجبائي: وفي هذه الآية دلالة على بطلان قول الإمامية في جواز التقية على الأنبياء والأئمة وأن النسيان لا يجوز على الأنبياء وهذا القول غير صحيح ولا مستقيم لأن الإمامية إنما تجوز التقية على الإمام فيما تكون عليه دلالة قاطعة توصل إلى العلم ويكون المكلف مُزاح العلة في تكليفه ذلك فأما ما لا يعرف إلا بقول الإمام من الأحكام ولا يكون على ذلك دليل إلا من جهته فلا يجوز عليه التقية فيه وهذا كما إذا تقدَّم من النبي بيان في شيء من الأشياء الشرعية فإنه يجوز منه أن لا يبين في حال أخرى لأمته ذلك الشيء إذا اقتضته المصلحة، ألا ترى إلى ما روي أن عمر بن الخطاب سأله عن الكلالة فقال: "يكفيك آية السيف" وأما النسيان والسهو فلم يُجَوّزوهما عليهم فيما يَؤدُّونه عن الله تعالى فأما ما سواه فقد جوَّزوا عليهم أن ينسوه أو يسهوا عنه ما لم يؤدِّ ذلك إلى إخلال بالعقل وكيف لا يكون كذلك وقد جوَّزوا عليهم النوم والإغماء وهما من قبيل السهو فهذا ظنُّ منه فساد وإن بعض الظن إثم.
{ وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } أي ليس على المؤمنين الذين اتقوا معاصي الله سبحانه من حساب الكفرة شيء بحضورهم مجلس الخوض { ولكن ذكرى لعلهم يتقون } أي نهوا عن مجالستهم ليزدادوا تقى وأمروا أن يذكِّروهم وينّبهوهم على خطاياهم لكي يتقي المشركون إذا رأوا إعراض هؤلاء المؤمنين عنهم وتركهم مجالستهم فلا يعودون لذلك عن أكثر المفسرين. وقيل: معناه ليس على المتقين من الحساب يوم القيامة مكروه ولا تبعة ولكنَّه أعلمهم أنهم محاسبون وحكم بذلك عليهم لكي يعلموا أن الله يحاسبهم فيتقوا عن البلخي فالهاء والميم على الوجه الأول يعود إلى الكفار وفي الثاني إلى المؤمنين.