التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ
١١٣
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
١١٤
قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ
١١٥
قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ
١١٦
-الأعراف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الحجاز وحفص إنّ لنا لأجراً بهمزة واحدة على الخبر وقرأ أئن بهمزتين محقّقتين ابن عامر وأهل الكوفة غير حفص وقرأ أبو عمرو آءِنّ بهمزة ممدودة وقرأ يعقوب غير زيد بهمزة غير ممدودة.
الحجة: قال أبو علي: الاستفهام أشبه بهذا الموضع لأنهم يستفهمون عن الأجر وليسوا يقفون على أنّ لهم الأجر ويقوي ذلك إجماعهم في الشعراء وربما حذقت همزة الاستفهام قال أبو الحسن في قولـه: وتلك نعمة تمنها عليّ أن عبدت بني إسرائيل إن من الناس من يذهب إلى أنه على الاستفهام وقد جاء ذلك في الشعر قال:

أَفْرَحُ أنْ أُرْزَأَ الْكِرامَ وَأنْ أَورَثَ ذَوْداً شَصــائِصاً نَبَلا

وهذا أقبح من قولـه:

وَأصْبَحْتُ فيهِمْ آمِناً لا كَمَعْشَرٍ أَتَوْني فَقالوُا مِنْ رَبيعَةَ أَمْ مُضَرْ

لأن أم يدل على الهمزة.
الإعراب: نحن يحتمل أن يكون موضعه رفعاً ويكون تأكيداً للضمير المتصل في كنا ويحتمل أن يكون فصلاً بين الخبر والاسم وضم حرف مع أنه يجوز الوقف عليه لأنه في الوجوب نظير لا في النفي وإنما جاز الوقف على كل واحد منهما لأنه جواب لكلام يستغنى بدلالته عليه عما يتصل به والواو في قولـه وإنكم واو العطف فكأنه قال لكم ذلك وإنكم لمن المقربين وهو في مخرج الكلام كأنه معطوف على الحرف وكسرت الألف من إنكم لأنه في موضع استئناف بالوعد ولم يكسر لدخول اللام في الخبر لأنه لو لم يكن اللام لكانت مكسورة وإنما دخلت أن في قولـه إما أن تلقي ولم تدخل في إما يعذبهم وإما يتوب عليهم لأن فيه معنى الأمر كأنه قال اختر إما أن تلقي أي إما القاك وإما القاؤنا فموضع أن نصب ويجوز أيضاً أن يكون التقدير إما القاؤك مبدوءٌ به وإما القاؤنا فموضع أن على هذا يكون نصباً.
المعنى: { وجاء السحرة فرعون } في الكلام حذف كثير تقديره فأرسل فرعون في المدائن حاشرين يحشرون السحرة فحشروهم فجاء السحرة فرعون وكانوا خمسة عشر ألفاً عن ابن إسحاق. وقيل: ثمانين ألفاً عن ابن المنكدر. وقيل: سبعين ألفاً عن عكرمة. وقيل: بضعة وثلاثين ألفاً عن السدي. وقيل: كانوا اثنين وسبعين ساحراً اثنان من القبط وهما رئيسا القوم وسبعون من بني إسرائيل عن مقاتل. وقيل: كانوا سبعين عن الكلبي.
{ قالوا } لفرعون إنما لم يقل فقالوا حتى يتصل الثاني بالأول لأن المعنى لما جاؤوا قالوا فلم يصلح دخول الفاء على هذا الوجه { إن لنا لأجراً } أي عوضاً على عملنا وجزاء بالخير { إن كنا نحن الغالبين } لموسى { قال نعم } أي قال فرعون: مجيباً لهم عما سألوه نعم لكم الأجر { وإنكم لمن المقربين } أي وإنكم مع حصول الأجر لكم لمن المقربين إلى المنازل الجليلة والمراتب الخطيرة التي لا يتخطى إليها العامة ولا يَحْظى بها إلا الخاصة وفي هذا دلالة على حاجة فرعون وذلته لو استدل قومه به وأحسنوا النظر فيه لنفوسهم لأن من المعلوم أنه لم يحتج إلى السحرة إلاّ لعجزه وضعفه.
{ قالوا } يعني قالت السحرة لموسى { يا موسى إما أن تلقي } ما معك من العصا أولاً { وإما أن نكون نحن الملقين } لما معنا من العصي والحبال أولاً:
{ قال } لهم موسى { ألقوا } أنتم وهذا أمر تهديد وتقريع كقولـه سبحانه
{ { اعملوا ما شئتم } [فصلت: 40]. وقيل: معناه القوا على ما يصح ويجوز لا على ما يفسد ويستحيل. وقيل: معناه إن كنتم محقين فألقوا { فلما ألقوا سحروا أعين الناس } أي فلما ألقى السحرة ما عندهم من السحر احتالوا في تحريك العُصيّ والحبال بما جعلوا فيها من الزئبق حتى تحركت بحرارة الشمس وغير ذلك من الحيل وأنواع التمويه والتلبيس وخيل إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية وإنما سحروا أعين الناس لأنهم أروهم شيئاً لم يعرفوا حقيقته وخفي ذلك عليهم لبعده منهم فإنهم لم يخلوا الناس يدخلون فيما بينهم وفي هذا دلالة على أن السحر لا حقيقة له لأنها لو صارت حيات حقيقية لم يقل الله سبحانه { سحروا أعين الناس } بل كان يقول فلما القوا صارت حيات وقد قال سبحانه أيضاً { { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } [طه: 66] { واسترهبوهم } أي استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس عن الزجاج. وقيل: معناه أرهبوهم وأفزعوهم عن المبرد { وجاؤو بسحر عظيم } وصف سحرهم بالعظم لبعد مرام الحيلة فيه وشدة التمويه به فهو لذلك عظيم الشأن عند من يراه من الناس ولأنه على ما ذكرناه في عدة السحرة وكثرتهم كان مع كل واحد منهم عصا أو حبل فلما القوا وخيل إلى الناس أنها تسعى استعظموا ذلك وخافوه.