التفاسير

< >
عرض

وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
١٣٨
إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٣٩
قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
١٤٠
-الأعراف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: يعكِفون بكسر الكاف كوفي غير عاصم والباقون بضم الكاف وهما لغتان.
اللغة: المجاوزة الإخراج عن الحد وجاز الوادي يجوز جوازاً إذا قطعه وخلفه وراءه وجاوزه مجاوزة واجتازه اجتيازاً وأصل البحر من السعة ومنه البحيرة لسعة شقّ أذنها وتبحر في العلم إذا اتسع فيه وقوي تصرفه وعكف على الشيء واظب عليه ولزمه ومنه الاعتكاف وهو لزوم المسجد للعبادة فيه والمنبر من التبار وهو الهلاك ومنه التّبْر للذهب وسمي بذلك لأمرين أحدهما: أن معدته مهلكة والآخر: ما قاله الزجاج أنه يقال لكل إناء مكسر متبَّر وكسارته تِبْرُه.
الإعراب: { كما لهم آلهة } ما هذه كافة للكاف لأن ما بعدها جملة وقال البصير: وهو واحد زماننا في هذا الفن ما ها هنا مصدرية أي كما ثبت لهم آلهة وصلت بالظرف وما ارتفع به كما يوصل بالمبتدأ والخبر في قولـه:

كما سيف عمرو لم تخنه مضاربهُ

ويجوز أن يكون بمعنى الذي وفى لهم ضمير يعود إليه وآلهة بدل من ذلك الضمير أو يرتفع بإضمار هي أي هي آلهة فحذف هي، وما هم فيه موصول صلة في موضع رفع بقيامه مقام الفاعل لقولـه مُتبَّر وكذلك ما كانوا يعملون فاعل الباطل، { أغير الله أبغيكم إلهاً } بغى يتعدى إلى مفعولين وطلب يتعدى إلى مفعول واحد لأن معنى قولك بغاه الخير أعطاه الخير وليس كذلك طلب لأنه غير مضمر بالمطلوب وعلى هذا فيكون إلهاً مفعولاً به ثانياً ويكون غير منصوباً على الحال التي لو تأخرت كانت صفة للنكرة وتقديره أبغيكم إلهاً غير الله وقد يجوز أن يكون بمعنى أبغي لكم ويكون غير الله منصوباً بأنه مفعول أبغي وتقديره أطلب غير الله لكم معبوداً فيكون إلهاً منصوباً على الحال.
المعنى: ثم أخبر الله سبحانه عن أحوال بني إسرائيل فقال { وجاوزنا ببني إسرائيل } أي قطعنا بهم { البحر } يعني النيل نهر مصر بأن جعلنا لهم فيه طرقاً يابسة حتى عبروا ثم أغرقنا فرعون وقومه فيه { فأتوا } أي فمروا { على قوم يعكفون على أصنام لهم } أي يقبلون عليها ملازمين لها مقيمين عندها يعبدونها قال قتادة: كان أولئك القوم من لخم وكانوا نزولاً بالرقة وقال ابن جريج: كانت تماثيل بقر وذلك أول شأن العجل.
{ قالوا يا موسى إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } أي أنصب لنا شيئاً نعبده كما لهم أوثان يعبدونها وهذا كفر ربما قاله الجهال من قومه دون المؤمنين الأخيار وإنما قالوا ذلك لأن الإنسان يحنّ إلى ما يراه لغيره فيحب أن يكون له مثل ما لغيره وفي هذا دلالة على عظيم جهلهم بعدما رأوا الآيات المترادفة والمعجزات من حيث توهموا أنه يجوز عبادة غير الله تعالى ولم يعرفوا أن المجهول لا يكون إلهاً وأن الأصنام لا تكون آلهة ويمكن أن يكونوا قد ظنوا أنه يجوز أن يتقرب إلى الله تعالى بعبادة غيره وإن اعتقدوا أنه لا يشبه الأشياء ولا تشبهه ولم يكونوا مشبهة كما حكى الله سبحانه عن المشركين أنهم قالوا
{ { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [الزمر: 3].
{ قال إنكم قوم تجهلون } هذه حكاية عما أجابهم به موسى (ع) أي تجهلون ربكم وعظمته وصفاته ولو عرفتموه حق معرفته لما قلتم هذا القول عن الجبائي. وقيل: تجهلون نعمة ربكم فيما صنع بكم عن ابن عباس { إن هؤلاء } يعني القوم الذين عبدوا الأصنام { متبَّر } أي مدمر مهلك { ما هم فيه } من عبادة الأصنام { وباطل ما كانوا يعملون } أي باطل عملهم لا يجدي عليهم نفعاً ولا يدفع عنهم ضراً فكأنه بمنزلة من لم يكن من هذا الوجه فالبطلان انتفاء المعنى بعدمه أو بأنه لا يصح معتقده فالأول كبطلان البناء بالهدم والثاني كبطلان إله آخر مع الله لأنه لا يصح في عدم ولا وجود.
{ قال } يعني قال موسى لقومه بعد إزرائه على الأصنام وعلى من كان يعبدها { أغير الله أبغيكم } أي ألتمس وأطلب غير الله لكم فحذف حرف الجر فوصل الفعل بقولـه واختار موسى قومه أي من قومه { إلهاً } أي معبوداً تعبدونه سوى الله { وهو فضلكم على العالمين } أي على عالمي زمانكم عن الحسن والجبائي. وقيل: معناه وهو سبحانه خصكم بفضائل لم يعطها أحداً غيركم وهو أن أرسل إليكم رجلين منكم لتكونوا أقرب إلى القبول وخلصكم من أذى فرعون وقومه على أعجب وجه وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم.