التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ
١٤٤
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ
١٤٥
-الأعراف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الحجاز وروح برسالتي على التوحيد والباقون برسالاتي على الجمع وقد مضى الكلام فيه.
اللغة: اللوح صحيفة مهيأة للكتابة فيها وأصله من اللوح وهو اللمع يقال لاح يلوح إذا لمع وتلألأ والتلويح التضمير ولوَّحه السفر غيَّره تغييراً تبيَّن عليه أثره لأن حاله يلوح بما نزل به واللوح الهواء لأنه كاللامع في هبوبه فاللوح تلوح المعاني بالكتابة فيه والموعظة التحذير بما يزجر عن القبيح ويبصر مواقع المخوف.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن عظيم نعمته على موسى بالاصطفاء وإجلال القدر وأمره إياه بالشكر بقولـه { قال } أي قال الله سبحانه { يا موسى إني اصطفيتك } أي اخترتك واتخذتك صفوة وفضَّلتك على الناس { برسالاتي } من غير كلام { وبكلامي } من غير رسالة وخصَّ الناس لأنه كلم الملائكة ولم يكلم أحداً من الناس بلا واسطة سوى موسى (ع). وقيل: إنه سبحانه كلَّم موسى على الطور وكلَّم نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى.
{ فخذ ما آتيتك } أي تناول ما أعطيتك من التوراة وتمسَّك بما أمرتك { وكن من الشاكرين } أي من المعترفين بنعمتي القائمين بشكرها على حسب مرتبتها فكلما كانت النعمة أعظم وأجل وجب أن تقابل من الشكر بما يكون أتم وأكمل والوجه في تشريف موسى (ع) بالاختصاص بالكلام إن ذلك نعمة عظيمة ومنّة جسيمة منه تعالى عليه لأنه كلَّمه وعلَّمه الحكمة من غير واسطة بينه وبينه ومن أخذ العلم من العالم المعظم كان أجلُّ رتبة ممن أخذه ممن هو دونه.
{ وكتبنا له } يعني لموسى (ع) { في الألواح } يريد ألواح التوراة عن ابن عباس. وقيل: كانت من خشب نزلت من السماء عن الحسن. وقيل: كانت من زمرّد وطولها عشرة أذرع عن ابن جريج. وقيل: كانت من زبرجدة خضراء وياقوتة حمراء عن الكلبي. وقيل: إنهما كانا لوحين قال الزجاج: ويجوز في اللغة أن يقال للوحين ألواح ويجوز أن يكون ألواح ويجوز أن يكون ألواحاً جمع أكثر من اثنين { من كل شيء } قال الزجاج: أعلم الله سبحانه أنه أعطاه من كل شيء يحتاج إليه من أمر الدين مع ما أراه من الآيات { موعظة } هذا تفسير لقولـه كل شيء وبيان لبعض ما دخل تحته { وتفصيلاً لكل شيء } يحتاج إليه في الدين من الأوامر والنواهي والحلال والحرام وذكر الجنة والنار وغير ذلك من العبر والأخبار وتفصيلاً أيضاً تفسير لقولـه كل شيء.
{ فخذها بقوة } أي بجدِّ واجتهاد. وقيل: بصحة عزيمة وقوة قلب { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } أي بما فيها من أحسن المحاسن وهي الفرائض والنوافل فإنها أحسن من المباحات. وقيل: معناه يأخذ بالناسخ دون المنسوخ عن الجبائي وهذا ضعيف لأن المنسوخ قد خرح من أن يكون حسناً. وقيل: إن المراد بالأحسن الحسن وكلها حسن كقولـه سبحانه
{ { وهو أهون عليه } [الروم: 27] وكقولـه { ولذكر الله أكبر } [العنكبوت: 45] عن قطرب.
{ سأريكم دار الفاسقين } يعني سأريكم جهنم عن الحسن ومجاهد والجبائي والمراد فليكن منكم على ذكر لتحذروا أن تكونوا منهم وهذا تهديد لمن خالف أمر الله. وقيل: يريد ديار فرعون بمصر عن عطية العوفي. وقيل: معناه سأدخلكم الشام فأريكم منازل القرون الماضية ممن خالفوا أمر الله لتعتبروا بها عن قتادة وفي تفسير علي بن إبراهيم أن معناه يجيئكم قوم فساق يكون الدولة لهم.