التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٩٤
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ
١٩٥
-الأعراف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو جعفر وحده يبطشون ههنا وفي القصص والدخان بضم الطاء والباقون بكسرها وقرأ هشام ويعقوب كيدوني بياء في الوقف والوصل ووافقهما أبو جعفر وأبو عمرو وإسماعيل في الوصل والباقون بغير ياء في الحالين وقرأ تنظروني بالياء في الحالين يعقوب.
الحجة: بطش يبطِشُ ويَبْطُشُ والكسر أفصح وقال أبو علي: الفواصل من الكلام التام تجري مجرى القوافي لاجتماعهما في أن الفاصلة آخر الآية كما أن القافية آخر البيت وقد ألزموا في القوافي حذف هذه الآيات قال الأعشى:

فهَلْ يَمْنَعُني ارْتِيادَ الْبِلا دِ مِنْ حَذْرِ الْمَوْتِ أنْ يَأْتِيَنْ

والياء التي هي لام كذلك نحو قولـه:

يَلْمَسُ الأَحْلاسَ فِي مَنْزِلِهِ بِيَدَيْهِ كَاليَهُودِيِّ المُصَلْ

ومن أثبت فلأن الأصل الإثبات.
المعنى: ثم أتمَّ سبحانه الحجة على المشركين بقولـه { إن الذين تدعون من دون الله } يعني الأصنام يريد تدعونهم آلهة { عباد أمثالكم } أي مخلوقة أمثالكم عن الحسن. وقيل: مملوكون أمثالكم عن الكلبي. وقيل: أمثالكم في التسخير أي أنهم مسخَّرون مذلَّلُون لأمر الله عن الأخفش ولما كانت الأصنام غير ممتنعة مما يريد الله بها كانت في معنى العباد فإن التعبيد التذليل وطريق معبد موطؤ مسلوك ومنه قولـه
{ وتلك نعمة تمنُّها عليَّ أن عبُّدت بني إسرائيل } [الشعراء: 22] أي ذلّلتهم واستخدمتهم ضروباً من الخدمة.
{ فادعوهم } هذا الدعاء ليس الدعاء الأول والمراد به فادعوهم في مهماتكم ولكشف الأسواء عنكم { فليستجيبوا لكم } هذه لام الأمر على معنى التعجيز والتهجين كما قال
{ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } [النمل: 64] قال ابن عباس: معناه فاعبدوهم هل يثيبونكم أو يجازونكم إن كنتم صادقين إن لكم عندها منفعة وثواباً أو شفاعة ونصرة.
ثم فضَّل سبحانه بني آدم عليهم فقال { ألهم أرجل يمشون بها } أي لهؤلاء الأصنام أرجل يمشون بها في مصالحكم { أم لهم أيد يبطشون بها } أي يأخذون بها في الدفع عنكم ومعنى البطش التناول والأخذ بشدة { أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها } أي ليس لهم هذه الحواس ولكم هذه الحواس فأنتم أفضل منهم فلو دعوتم وعبدتم من له الحياة ومنافعها للزمكم الذم واللوم بذلك لأنها مخلوقة مربوبة فكيف تعبدون من أنتم أفضل منه.
ثم زاد سبحانه في تهجينهم فقال { قل } يا محمد { ادعوا شركاءكم } أي هذه الأوثان التي تزعمون أنها آلهة وتشركونها في أموالكم وتجعلون لها حظاً من المواشي وغيرها وتوجهون عبادتكم إليها إشراكاً بالله لها { ثم كيدون } بأجمعكم { فلا تنظرون } أي لا تؤخِّروني ومعناه أن معبودي ينصرني ويدفع كيد الكائدين عني ومعبودكم لا يقدر على نصركم فإن قدرتم على ضرّ فاجتمعوا أنتم مع أصنامكم وتظاهروا على كيدي ولا تمهلوني في الكيد والإضرار فإن معبودي يدفع كيدكم عني.