التفاسير

< >
عرض

فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
٥٧
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ
٥٨
-الأنفال

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الثقف الظفر والإدراك بسرعة والتشريد التفريق على اضطراب والخيانة نقض العهد فيما اؤتمن عليه والنبذ إلقاء الخبر إلى من لا يعلمه والسواء العدل قال الراجز:

فَاضْرِبْ وُجُوهَ الغُرَرِ الأَعْداءِ حَتَّـــى يَجيبوكَ إلَــى السّوَاءِ

أي إلى العدل ومنه قيل للوسط سواء لاعتداله إلى الجهات قال حسان:

يا وَيْحَ أَنْصارِ النَّبِي وَرَهْطِهِ بَعْدَ المُغَيَّبِ في سَواءِ المُلْحَدِ

أي في وسطه. وقيل: عنى بقولـه على سواء على استواء في العلم به.
الإعراب: إما تثقفنَّ وإما تخافنَّ دخلت نون التأكيد لما دخلت ما ولو لم يدخل ما لما حسن دخول النون لأن دخول ما كدخول القسم في أنه علامة تؤذن أنه من مواضع تأكيد المطلوب من التصديق لأن النون يدخل لتأكيد المطلوب فيما يدلّ على الطلب وهي في ستة مواضع النهي والأمر والاستفهام والعرض والقسم والجزاء مع ما.
المعنى: ثم حكم سبحانه في هؤلاء الناقضين للعهود فقال لنبيّه صلى الله عليه وسلم { فإما تثقفنَّهم في الحرب } معناه فإما تصادفنهم في الحرب أي إن ظفرت بهم وأدركتهم { فشرّد بهم من خلفهم } أي فنكِّل بهم تنكيلاً وأثِّر فيهم تأثيراً يشرّد بهم من بعدهم ويطردهم ويمنعهم من نقض العهد بأن ينظروا فيهم فيعتبروا بهم فلا ينقضوا العهد ويتفرقوا في البلاد مخافة أن تعاملهم بمثل ما عاملتهم به وأن يحلّ بهم ما حلّ بهم وهذا معنى قول ابن عباس والحسن وقتادة وسعيد بن جبير والسدي وقال الزجاج: معناه أفعل بهم فعلاً من القتل تفرّق بهم من خلفهم. وقيل: إن معنى شرّد بهم سَمِّع بهم بلغة قريش قال الشاعر:

أُطَوِّفُ في النَّواطِحِ كُلَّ يَوْمٍ مَخــافَةَ أنْ يُشَرِّدَ بي حَكِيمُ

{ لعلهم يذكرون } أي لكي يتذكروا ويتعظوا وينزجروا عن مثل ذلك { وإما تخافن من قوم خيانة } معناه وإن خفت يا محمد من قوم بينك وبينهم عهد خيانة فيه لأن الخيانة إنما تكون بعد تقدم العهد ولم يظهر منهم نقض العهد بعد { فانبذ إليهم على سواء } أي فألق إليهم ما بينك وبينهم من العهد وأعلمهم بأنك قد نقضت ما شرطت لهم لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء ولا تبدأهم بالقتال من قبل أن تعلمهم بنقض العهد حتى لا ينسبوك إلى الغدر بهم فهذا معنى قولـه على سواء. وقيل: معنى قولـه { على سواء } على عدل أي إن كان بينك وبينهم عهد بغير مال فأعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم وإن كان العهد على مال فردّ المال عليهم ثم أنقض العهد.
{ إن الله لا يحب الخائنين } أي بنقضهم معناه فلا تخنهم بأن تبدأ هم بالقتال من غير إعلامهم بنقض العهد قال الواقدي: هذه الآية نزلت في بني قينقاع وبهذه الآية سار النبي صلى الله عليه وسلم إليهم.