التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ
٧٣
وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٧٤
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٧٥
-الأنفال

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الفتنة أصلها الإمتحان ثم تستعمل في أشياء منها الكفر والشرك وذلك نحو قولـه تعالى { { والفتنة أكبر من القتل } [البقرة: 191] { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } [البقرة: 193] ومنها العذاب نحو قولـه تعالى: { جعل فتنة الناس كعذاب الله } [العنكبوت: 10] وقولـه: { { ذوقوا فتنتكم } [الذاريات: 14] يعني عذابكم بالتحريق بالنار ومنها المعذرة في نحو قولـه تعالى: { { ثم لم تكن فتنتهم } [الأنعام: 23] أي معذرتهم ومنها القتل في نحو قولـه: { إن خفتم أن يفتنكم } [النساء: 101] أي يقتلكم وقولـه { { على خوف من فرعون وملئه أن يفتنهم } [يوسف: 83] ومنها الهرج والابتلاء على أثر البلاء في نحو قولـه { { وهم لا يفتنون } [العنكبوت: 2] { ولقد فتنا الذين من قبلهم } [العنكبوت: 3] وهذا التفصيل مأخوذ من قول الصادق (ع) والكريم فاعل الكرم والكرم الجود العظيم والشرف قال:

تِلْكَ الْمَكارِمُ لا قَعْبانِ مِنْ لَبَــنٍ شِيبا بِماءٍ فَعادا بَعْدُ أبْوالا

والرزق الكريم العظيم الواسع.
الإعراب: قولـه فعليكم النصر ويجوز في العربية فعليكم النصر على قولك عليك زيداً ولم يقرأ بها.
المعنى: ثم ذكر سبحانه وتعالى حكم الكافرين فقال: { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } أي بعضهم أنصار بعض عن ابن إسحاق وقتادة. وقيل: معناه بعضهم أولى ببعض في الميراث عن ابن عباس وأبي مالك { إلا تفعلوه } وتقديره ألا تفعلوا ما أمرتم به في الآية الأولى والثانية ومخرجه مخرج الخبر والمراد به الأمر وتقديره إلا تفعلوا ما أمرتم به من التناصر والتعاون والتبرء من الكفار: { تكن فتنة في الأرض وفساد كبير } على المؤمنين الذين لم يهاجروا ويريد بالفتنة هنا المحنة بالميل إلى الضلال وبالفساد الكبير ضعف الإيمان. وقيل: إن الفتنة هي الكفر لأن المسلمين إذا والوهم تجرؤوا على المسلمين ودعوهم إلى الكفر وهذا يوجب التبرء منهم والفساد الكبير سفك الدماء عن الحسن. وقيل: معناه وإن لم تعلقوا التوارث بالهجرة ولم تقطعوه بعدمها أدى إلى فتنة في الأرض باختلاف الكلمة وفساد عظيم بتقوية الخارج عن الجماعة عن ابن عباس وابن زيد.
ثم عاد سبحانه إلى ذكر المهاجرين والأنصار ومدحهم والثناء عليهم فقال: { والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله } أي صدقوا الله ورسوله وهاجروا من ديارهم وأوطانهم يعني من مكة إلى المدينة وجاهدوا مع ذلك في أعلاء دين الله { والذين آووا ونصروا } أي ضموهم إليهم ونصروا النبي صلى الله عليه وسلم { أولئك هم المؤمنون حقاً } أي أولئك الذين حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة بخلاف من أقام بدار الشرك. وقيل: معناه أن الله حقق إيمانهم بالبشارة التي بشرهم بها ولم يكن لمن لم يهاجر ولم ينصر مثل هذا واختلفوا في أن الهجرة هل تصح في هذا الزمان أم لا فقيل لا تصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا هجرة بعد الفتح" ولأن الهجرة الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام وليس يقع مثل هذا في هذا الزمان لاتساع بلاد الإسلام إلا أن يكون نادراً لا يعتد به.
وقيل: إن هجرة الأعراب إلى الأمصار باقية إلى يوم القيامة عن الحسن والأقوى أن يكون حكم الهجرة باقياً لأن من أسلم في دار الحرب ثم هاجر إلى دار الإسلام كان مهاجراً وكان الحسن يمنع أن يتزوج المهاجر إلى أعرابية وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا تنكحوا أهل مكة فإنهم أعراب وإنما سمي الجهاد سبيل الله لأنه الطريق إلى ثواب الله في دار كرامته:
{ لهم مغفرة ورزق كريم } لا يشوبه ما ينغصه. وقيل: الرزق الكريم ها هنا طعام الجنة لأنه لا يستحيل في أجوافهم نجوا بل يصير كالمسك ريحاً.
{ والذين آمنوا من بعد } أي من بعد فتح مكة عن الحسن. وقيل: معناه آمنوا من بعد إيمانكم: { وهاجروا } بعد هجرتكم: { وجاهدوا معكم } أيها المؤمنون. { فأولئك منكم } أي مؤمنون مثلكم ومن جملتكم وحكمهم حكمكم في وجوب موالاتهم وموارثتهم ونصرتهم وإن تأخر إيمانهم وهجرتهم.
{ وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } معناه وذوو الأرحام والقرابة بعضهم أحق بميراث بعضهم من غيرهم عن ابن عباس والحسن وجماعة المفسرين وقالوا صار ذلك نسخاً لما قبله من التوارث بالمعاقدة والهجرة وغير ذلك من الأسباب فقد كانوا يتوارثون بالمؤاخاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بين المهاجرين والأنصار: { في كتاب الله } أي في حكم الله عن الزجاج. وقيل: في اللوح المحفوظ كما في قولـه
{ { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } [الحديد: 22]. وقيل: في القرآن وفي قولـه: { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } دلالة على أن من كان أقرب إلى الميت في النسب كان أولى بالميراث سواء كان ذا سهم أو غير ذي سهم أو عصبة أو غير ذي عصبة ومن وافقنا في توريث ذوي الأرحام يستثنى أصحاب الفرائض والعصبة من الآية وذلك خلاف الظاهر: { إن الله بكل شيء عليم } ظاهر المعنى وأكثر هذه السورة في قصة بدر.