التفاسير

< >
عرض

يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ
٣٢
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ
٣٣
-التوبة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الإِطفاء إذهاب نور النار ثم استعمل في إذهاب كل نور والأَفواه جمع فم وأصله فوه فحذفت الهاء وأبدلت من الواو ميم لأَنه حرف صحيح من مخرج الواو مشاكل لها والإِباء الامتناع مما طلب من المعنى قال الشاعر:

وإن أرادوا ظلمنا أبينا

أي منعنا من الظلم.
الإعراب: قولـه { إلا أن يتم نوره } إنما دخلت إلا لأَن في أبيت ضرباً من الجحد تقول: أبيت أن أفعل كذا فيكون معناه لم أفعل كذا قال الشاعر:

وَهَلْ لِيَ أُمٌّ غَيْرُها إنْ تَرَكْتُها أَبَى الله إلاَّ أَنْ أَكُونَ لَها ابْنا

قال الزجاج: في الآية حذف تقديره يأبى الله كل شيء إلا إتمام نوره. قال: ولا يكون الإِيجاب جحداً ولو جاز ذلك على ما يكون فيه طرف من الجحد لجاز كرهت إلا أخاك مثل أبيت إلاّ أن أبيت الحذف مستعمل معها.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى أنهم { يريدون أن يطفئوا نور الله } وهو القرآن والإِسلام عن أكثر المفسرين. وقيل: نور الله الدلالة والبرهان لأَنهما يهتدى بهما كما يهتدى بالأَنوار. عن الجبائي: قال ولما سمّى سبحانه الحجج والبراهين أنواراً سمى معارضتهم لذلك إطفاء ثم قال { بأفواههم } لأَن الإِطفاء يكون بالأَفواه وهو النفخ وهذا من عجيب البيان مع ما فيه من تصغير شأنهم وتضعيف كيدهم لأَن الفم يؤثر في الأنوار الضعيفة دون الأَقباس العظيمة { ويأبى الله إلا أن يتم نوره } معناه ويمنع الله إلا أن يظهر أمر القرآن وأمر الإِسلام وحجته على التمام وأصل الإِباء المنع والامتناع دون الكراهية على ما ادعته المحبرة ولهذا تقول العرب فلان يأبى الضيم وهو أبى الضيم ولا مدحة في كراهية الضيم لأَنه يستوي فيه القوي والضعيف وإنما المدحة في الامتناع أو المنع منه { ولو كره الكافرون } أي على كره من الكافرين.
{ هو الذي أرسل رسوله } محمداً وحمله الرسالات التي يؤديها إلى أمته { بالهدى } أي بالحجج والبينات والدلائل والبراهين { ودين الحق } وهو الإِسلام وما تضمنَّه من الشرائع التي يستحقُّ عليها الجزاء بالثواب وكل دين سواه باطل يستحق به العقاب { ليظهره على الدين كله } معناه ليعلي دين الإِسلام على جميع الأَديان بالحجة والغلبة والقهر لها حتى لا يبقى على وجه الأَرض دين إلا مغلوباً ولا يغلب أحد أهل الإِسلام بالحجة وهم يغلبون أهل سائر الأَديان بالحجة وأما الظهور بالغلبة فهو أن كل طائفة من المسلمين قد غلبوا على ناحية من نواحي أهل الشرك ولحقهم قهر من جهتهم. وقيل: أراد عند نزول عيسى بن مريم لا يبقى أهل دين إلا أسلم أو أدَّى الجزية عن الضحاك. وقال أبو جعفر (ع): إن ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد فلا يبقى أحد إلا أقرَّ بمحمد وهو قول السدي وقال الكلبي لا يبقى دين إلا ظهر عليه الإِسلام وسيكون ذلك ولم يكن بعد ولا تقوم الساعة حتى يكون ذلك وقال المقداد بن الأَسود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا يبقى على ظهر الأَرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإِسلام إما بعزٍّ عزيز وإما بذلٍّ ذليل إما يعزّهم فيجعلهم الله من أهله فيعزُّوا به وإما يذلّهم فيدينون له" . وقيل: إن الهاء في ليظهره عائدة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي ليعلمه الله الأَديان كلها حتى لا يخفى عليه شيء منها عن ابن عباس { ولو كره المشركون } أي وإن كرهوا هذا الدين فإن الله يظهره رغماً لهم.