التفاسير

< >
عرض

ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
٦٧
وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
٦٨
كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٦٩
أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٧٠
-التوبة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الاستمتاع طلب المتعة وهي فعل ما فيه اللذة من المآكل والمشرب والمناكح والخلاف النصيب سواء كان عاجلاً أو آجلاً وقال الزجاج النصيب الذي هو عند صاحبه وافر الحظ والمؤتفكات جمع مؤتفكة قد ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت.
الإعراب: موضع الكاف من قولـه { كالذين من قبلكم } نصب أي وعدكم الله على الكفر به كما وعد الذين من قبلكم والكاف في قوله كما استمتع وكالذين خاضوا نصب بأنه صفة لمصدر محذوف وتقديره استمتعتم استمتاعاً مثل استمتاعهم وخضتم خوضاً مثل خوضهم قال جامع العلوم النحوي البصير كالذي خاضوا تقديره على قياس قول سيبويه كالذي خاضوا فيه فحذف في فصار كالذي خاضوه ثم حذف الهاء وهو على قول يونس والأخفش الذي مصدري والتقدير كالخوض الذي خاضوا فيه ومثل هذا اختلافهم في قوله
{ { ذلك الذي يبشر الله عباده } [الشورى: 23] على قول سيبويه تقديره يبشر الله به على قول يونس والأخفش ذلك تبشير الله عباده.
المعنى: ثم ذكر سبحانه أحوال أهل النفاق فقال { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } أي بعضهم من جملة بعض وبعضهم مضاف إلى بعض في الاجتماع على النفاق والشرك كما تقول أنا من فلان وفلان مني. أي وأمرنا واحد وكلمتنا واحدة. وقيل: معناه بعضهم على دين بعض عن الكلبي. وقيل: بعضهم من بعض على لحوق مقت الله بهم جميعاً عن أبي مسلم { يأمرون بالمنكر } أي بالشرك والمعاصي { وينهون عن المعروف } أي عن الأفعال الحسنة التي أمر الله بها وحثَّ عليها { ويقبضون أيديهم } أي يمسكون أموالهم عن إنفاقها في طاعة الله ومرضاته عن الحسن وقتادة. وقيل: معناه يمسكون أيديهم عن الجهاد في سبيل الله عن الجبائي.
{ نسوا الله فنسيهم } أي تركوا طاعته فتركهم في النار وترك رحمتهم وأثابتهم عن الأصم. وقيل: معناه جعلوا الله كالمنسي حيث لم يتفكروا في أن لهم صانعاً يثيبهم ويعاقبهم ليمنعهم ذلك عن الكفر والأفعال القبيحة فجعلهم سبحانه في حكم المنسي عن الثواب وذكر ذلك لازدواج الكلام لأن النسيان لا يجوز عليه تعالى { إن المنافقين هم الفاسقون } أي الخارجون عن الإيمان بالله ورسوله وعن طاعته. وقيل: الفاسقون المتردّدون في الشرك { وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم } أخبر سبحانه أنه وعد الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر النار وكذلك الكفار وإنما فصل النفاق من الكفر وإن كان النفاق كفراً ليبيّن الوعيد على كل واحد من الصنفين { خالدين فيها } أي دائمين فيها { هي حسبهم } معناه نار جهنم والعقاب فيها كفاية ذنوبهم كما يقول عذبتك حسب ما فعلت وحسب فلان ما نزل به أي ذلك على قدر فعله { ولعنهم الله } أي أبعدهم من جنته وخيره { ولهم عذاب مقيم } أي دائم لا يزول.
{ كالذين من قبلكم } أي وعدكم على النفاق والاستهزاء كما وعد الذين من قبلكم من الكفار الذين فعلوا مثل فعلكم عن الزجاج والجبائي. وقيل: معناه فعلكم كفعل الذين من قبلكم من كفار الأمم الخالية { كانوا أشدَّ منكم قوة } في أبدانهم { وأكثر أموالاً وأولاداً } فلم ينفعهم ذلك شيئاً وحلَّ بهم عذاب الله تعالى { فاستمتعوا بخلاقهم } أي بنصيبهم وحظّهم من الدنيا بأن صرفوها في شهواتهم المحرَّمة عليهم وفيهما نهاهم الله عنه ثم أهلكوا { فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } أي فاستمتعتم أنتم أيضاً بحظكم في الدنيا كما استمتعوا هُمْ { وخضتم كالذي خاضوا } أي وخضتم في الكفر والاستهزاء بالمؤمنين كما خاض الأولون.
{ أولئك الذين حبطت أعمالهم } التي تقع طاعة من المؤمنين مثل الإنفاق في وجوه الخير وصلة الرحم وغيرها { في الدنيا والآخرة } إذ لم يستحقوا عليها ثواباً في الآخرة ولا تعظيماً وتبجيلاً في الدنيا لكفرهم وشركهم { وأولئك هم الخاسررن } خسروا أنفسهم وأهلكوها بفعل المعاصي المؤدّية إلى الهلاك ووردت الرواية عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية ما أشبه الليلة بالبارحة كالذين من قبلكم هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم لا أعلم إلا أنه قال والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جُحر ضب لدخلتموه. وروي مثل ذلك عن أبي هريرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال:
"لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ذراعاً بذراع وشبراً بشبر وباعاً بباع حتى لو أن أحداً من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه قالوا: يا رسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب قال: فهل الناس إلاّ هم" وقال عبد الله بن مسعود أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهدياً تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا وقال حذيفة المنافقون الذين فيكم اليوم شرّ من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: وكيف قال أولئك كانوا يخفون نفاقهم وهؤلاء أعلنوه أورد ذلك جميعاً الثعلبي في تفسيره.
ثم قال سبحانه { ألم يأتهم } أي ألم يأت هؤلاء المنافقين الذين وصفهم { نبأ الذين من قبلهم } أي خبر من كان قبلهم { قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين } ذكر سبحانه الأمم الماضية والقرون السالفة وأنه سبحانه أهلكها ودمَّر عليها لتكذيبها رسلها لئلا يأمنوا أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك فأهلك سبحانه قوم نوح بالغرق وعاداً قوم هود بالريح الصرصر وثمود قوم صالح بالرجفة وقوم إبراهيم بسلب النعمة وهلاك نمرود وأصحاب مدين وهي البلدة التي فيها قوم شعيب بعذاب يوم الظلة. وقيل: إن مدين اسم نسبت البلد إليه وقد مرَّ ذكره { والمؤتفكات } أي المنقلبات وهي ثلاث قرى كان فيها قوم لوط ولذلك جمعها بالألف والتاء عن الحسن وقتادة وقال في موضع آخر
{ { والمؤتفكة أهوى } [النجم: 53] فجاء بها على طريق الجنس أهلكهم الله بالخسف وقلب المدينة عليهم { أتتهم رسلهم بالبينات } أي بالحجج والمعجزات { فما كان الله ليظلمهم } أي ما يظلمهم الله بإهلاكهم { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } أي ولكن عاقبهم باستحقاق إذ كذَّبوا رسل الله كما فعلتم فأهلكهم بكفرهم وعصيانهم.