التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ
١
-الإسراء

تفسير القرآن

{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير } فحكى أبي عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال جاء جبرائيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذ واحد باللجام وواحد بالركاب وسوى الآخر عليه ثيابه فتضعضعت البراق فلطمها جبرائيل ثم قال لها اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله ولا يركبك بعده مثله قال فرقت به ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير ومعه جبرائيل يريه الآيات من السماء والأرض قال فبينا أنا في مسيري إذ نادى مناد عن يميني يا محمد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ثم ناداني مناد عن يساري يا محمد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ثم استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها وعليها من كل زينة الدنيا فقالت يا محمد انظرني حتى اكلمك فلم ألتفت اليها ثم سرت فسمعت صوتاً أفزعني فجاوزت به فنزل بي جبرائيل، فقال صل فصليت فقال أتدري أين صليت؟ فقلت لا، فقال صليت بطيبة وإليها مهاجرتك، ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي أنزل وصل فنزلت وصليت، فقال لي أتدري أين صليت؟ فقلت لا، فقال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليماً ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي أنزل فصل فنزلت وصليت فقال لي أتدري أين صليت؟ فقلت لا، قال صليت في بيت لحم بناحية بيت المقدس، حيث ولد عيسى بن مريم عليه السلام ثم ركبت فمضينا حتى انتهينا إلى بيت المقدس فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها فدخلت المسجد ومعي جبرائيل إلى جنبي فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من أنبياء الله قد جمعوا إلي وأقمت الصلاة ولا أشك إلا وجبرائيل استقدمنا، فلما استووا أخذ جبرائيل عليه السلام بعضدي فقدمني فأممتهم ولا فخر، ثم أتانى الخازن بثلاث أواني، إناء فيه لبن وإناء فيه ماء وإناء فيه خمر، فسمعت قائلاً يقول إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته، وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته وإن أخذ اللبن هدي وهديت أمته، فأخذت اللبن فشربت منه فقال جبرائيل هديت وهديت أمتك ثم قال لي ماذا رأيت في مسيرك؟ فقلت ناداني مناد عن يميني فقال لي أوأجبته؟ فقلت: لا ولم ألتفت إليه، فقال ذاك داعي اليهود لو أجبته لتهودت أمتك من بعدك ثم قال ماذا رأيت؟ فقلت: ناداني مناد عن يساري فقال أوأجبته؟ فقلت: لا ولم ألتفت إليه، فقال ذاك داعي النصاري لو أجبته لتنصرت أمتك من بعدك ثم ثم قال ماذا استقبلك؟ فقلت: لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كل زينة فقالت: يا محمد انظرني حتى أكلمك، فقال لي أفكلمتها؟ فقلت لم أكلمها ولم ألتفت إليها، فقال تلك الدنيا ولو كلمتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة، ثم سمعت صوتاً أفزعني فقال جبرائيل: أتسمع يا محمد قلت نعم قال: هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنم منذ سبعين عاماً فهذا حين استقرت، قالوا: فما ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبض.
قال فصعد جبرائيل وصعدت معه إلى سماء الدنيا وعليها ملك يقال له إسماعيل وهو صاحب الخطفة التي قال الله عزَّ وجلَّ:
{ { إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } [الصافات: 10] وتحته سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك، فقال يا جبرائيل من هذا معك؟ فقال: محمد صلى الله عليه وآله قال أوقد بعث؟ قال نعم ففتح الباب فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحباً بالاخ الناصح والنبي الصالح وتلقتني الملائكة حتى دخلت سماء الدنيا فما لقيني ملك إلا كان ضاحكاً مستبشراً حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقاً منه كريه المنظر ظاهر الغضب، فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلا أنه لم يضحك ولم أر فيه من الاستبشار وما رأيت ممن ضحك من الملائكة، فقلت من هذا يا جبرائيل؟ فإني قد فزعت فقال: يجوز أن تفزع منه، وكلنا نفزع منه هذا مالك خازن النار لم يضحك قط ولم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضباً وغيظاً على أعداء الله وأهل معصيته فينتقم الله به منهم ولو ضحك إلى أحد قبلك أو كان ضاحكاً لأحد بعدك لضحك إليك ولكنه لا يضحك، فسلمت عليه فرد علي السلام وبشرني بالجنة، فقلت لجبرائيل وجبرائيل بالمكان الذي وصفه الله مطاع ثم أمين، ألا تأمره أن يريني النار؟ فقال له جبرائيل: يا مالك أر محمداً النار، فكشف عنها غطاء‌ها وفتح باباً منها، فخرج منها لهب ساطع في السماء وفارت فارتعدت حتى ظننت ليتنا ولني مما رأيت، فقلت له يا جبرائيل قل له فليرد عليها غطاء‌ها فأمرها، فقال لها ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه.
ثم مضيت فرأيت رجلاً ادماً جسيماً فقلت من هذا يا جبرائيل، فقال هذا أبوك آدم فإذا هو يعرض عليه ذريته فيقول روح طيب وريح طيبة من جسد طيب ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله سورة المطففين على رأس سبعة عشر آية
{ { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم } [المطففين: 18-20] إلى آخرها، قال فسلمت على أبي آدم وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي، وقال مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح والمبعوث في الزمن الصالح.
ثم مررت بملك من الملائكة وهو جالس وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه وإذا بيده لوح من نور فيه كتاب ينظر فيه ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً مقبلاً عليه كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرائيل؟ فقال: هذا ملك الموت دائب في قبض الأرواح فقلت يا جبرائيل ادنني منه حتى أكلمه، فأدناني منه فسلمت عليه، وقال له جبرائيل هذا محمد نبي الرحمة الذي أرسله الله إلى العباد فرحب بى وحياني بالسلام وقال: أبشر يا محمد فإني أرى الخير كله في أمتك فقلت: الحمد لله المنان ذي النعم على عباده ذلك من فضل ربي ورحمته علي، فقال جبرائيل: هو أشد الملائكة عملاً فقلت أكل من مات أو هو ميت فيما بعد هذا تقبض روحه؟ قال: نعم قلت: تراهم حيث كانوا وتشهدهم بنفسك؟ فقال نعم، فقال ملك الموت: ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي ومكنني منها إلا كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء وما من دار إلا وأنا أتصفحها كل يوم خمس مرات وأقول إذا بكى أهل الميت على ميتهم لا تبكوا عليه فإن لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كفى بالموت طامة يا جبرائيل فقال جبرائيل إن ما بعد الموت أطم وأطم من الموت.
قال ثم مضيت فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث يأكلون الخبيث ويدعون الطيب، فقلت من هؤلاء يا جبرائيل فقال: هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال وهم من أمتك يا محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ثم رأيت ملكاً من الملائكة جعل الله أمره عجباً نصف جسده نار والنصف الآخر ثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفىء النار وهو ينادي بصوت رفيع يقول سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج وكف برد هذا الثلج فلا يطفي حر هذه النار اللهم يا مؤلف بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين، فقلت من هذا يا جبرائيل؟ فقال: هذا ملك وكله الله بأكناف السماوات وأطراف الأرضين وهو أنصح ملائكة الله تعالى لأهل الأرض من عباده المؤمنين يدعو لهم بما تسمع منذ خلق، وملكان يناديان في السماء أحدهما يقول اللهم أعط كل منفق خلفاً والآخر يقول اللهم أعط كل ممسك تلفاً.
ثم مضيت فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإِبل يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ فقال: هؤلاء الهمازون اللمازون ثم مضيت فإذا أنا بأقوام ترضخ رؤوسهم بالصخر، فقلت من هؤلاء يا جبرائيل؟ فقال: هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء ثم مضيت فإذا أنا بأقوام تقذف النار في أفواههم وتخرج من أدبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبرائيل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً، ثم مضيت فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس فإذا هم مثل آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشياً يقولون ربنا متى تقوم الساعة قال: ثم مضيت فإذا أنا بنسوان معلقات بثديهن فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ فقال هؤلاء اللواتي يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم فاطلع على عوراتهم وأكل خزائنهم".
قال ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عز وجل خلقهم الله كيف شاء ووضع وجوههم كيف شاء ليس شيء من أطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله ويحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله فسألت جبرائيل عنهم، فقال كما ترى خلقوا أن الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه قط ولا رفعوا رؤوسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتهم خوفاً من الله خشوعاً فسلمت عليهم فردوا علي إيماء‌اً برؤسهم لا ينظرون إلي من الخشوع فقال لهم جبرائيل: هذا محمد نبي الرحمة أرسله الله إلى العباد رسولاً ونبياً وهو خاتم النبيين وسيدهم أفلا تكلمونه؟ قال فلما سمعوا ذلك من جبرائيل أقبلوا علي بالسلام وأكرمونى وبشروني بالخير لي ولأمتي.
قال ثم صعد بي إلى السماء الثانية فإذا فيها رجلان متشابهان فقلت من هذان يا جبرائيل؟ فقال لي أبناء الخالة يحيى وعيسى بن مريم فسلمت عليهما وسلما علي واستغفرت لهما واستغفرا لي وقالا مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح وإذا فيها من الملائكة مثل ما في السماء الأولى وعليهم الخشوع قد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس منهم ملك إلا يسبح لله ويحمده بأصوات مختلفة.
ثم صعدنا إلى السماء الثالثة فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم فقلت من هذا يا جبرائيل؟ فقال هذا أخوك يوسف فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح، وإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الأولى والثانية، وقال لهم جبرائيل في أمري ما قال للآخرين وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون.
ثم صعدنا إلى السماء الرابعة وإذا فيها رجل، قلت من هذا يا جبرائيل؟ قال هذا إدريس رفعه الله مكاناً علياً فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات، فبشروني بالخير لي ولأمتي، ثم رأيت ملكاً جالساً على سرير تحت يديه سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله أنه هو، فصاح به جبرائيل فقال: قم فهو قائم إلى يوم القيامة، ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا فيها رجل كهل عظيم العين لم أر كهلاً أعظم منه حوله ثلة من أمته فأعجبتني كثرتهم فقلت من هذا يا جبرائيل؟ قال: هذا المحبب في قومه هارون ابن عمران فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.
ثم صعدنا إلى السماء السادسة وإذا فيها رجل آدم طويل عليه سمرة ولولا أن عليه قميصين لنفذ شعره منهما فسمعته يقول تزعم بنو إسرائيل أني أكرم ولد آدم على الله وهذا رجل أكرم على الله مني فقلت من هذا يا جبرائيل؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران، فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.
ثم صعدنا إلى السماء السابعة فما مررت بملك من الملائكة إلا قالوا يا محمد احتجم وأمر امتك بالحجامة، وإذا فيها رجل أشمط الرأس واللحية، جالس على كرسي فقلت يا جبرائيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله؟ فقال: هذا أبوك إبراهيم وهذا محلك ومحل من اتقى من أمتك، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله:
{ { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين } [آل عمران: 68] قال صلى الله عليه وآله: "فسلمت عليه وسلم علي وقال مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح والمبعوث في الزمن الصالح واذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات، فبشروني بالخير لي ولأمتي.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت في السماء السابعة بحاراً من نور يتلألأ يكاد تلألؤها يخطف بالأبصار وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ورعد فلما فزعت ورأيت هولا سألت جبرائيل فقال أبشر يا محمد واشكر كرامة ربك واشكر الله بما صنع إليك قال: فثبتني الله بقوته وعونه حتى كثر قولي لجبرائيل وتعجبي، فقال جبرائيل: يا محمد أتعظم ما ترى؟ إنما هذا خلق من ربك فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى، وما لا ترى أعظم من هذا من خلق ربك، إن بين الله وبين خلقه سبعون (تسعون خ ل) ألف حجاب وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل وبيننا وبينه أربعة حجب حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب من الغمام وحجاب من الماء، قال: ورأيت من العجائب التي خلق الله سبحانه وسخر به على ما أراده ديكاً رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ورأسه عند العرش وملكاً من ملائكة الله خلقه كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ثم أقبل مصعداً حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة وانتهى فيها مصعداً حتى استقر قرنه إلى قرب العرش وهو يقول: سبحان ربي حيث ما كنت لا تدري أين ربك من عظم شأنه وله جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب فإذا كان في السحر ذلك الديك نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح يقول: سبحان الله الملك القدوس، سبحان الله الكبير المتعال، لا إله إلا الله الحي القيوم، وإذا قال ذلك سبحت ديوك الأرض كلها وخفقت بأجنحتها وأخذت في الصراخ فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك الأرض كلها ولذلك الديك زغب أخضر وريش أبيض كأشد بياض ما رأيته قط وله زغب أخضر أيضاً تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها.
ثم قال مضيت مع جبرائيل فدخلت البيت المعمور فصليت فيه ركعتين ومعي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد وآخرون عليهم ثياب خلقان فدخل أصحاب الجدد وحبس أصحاب الخلقان ثم خرجت فانقاد لي نهران نهر يسمى الكوثر، ونهر يسمى الرحمة فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ثم انقادا لي جميعاً حتى دخلت الجنة فإذا على حافتيها بيوتي وبيوت أزواجي وإذا ترابها كالمسك فإذا جارية تنغمس في أنهار الجنة فقلت لمن أنت يا جارية؟ فقالت لزيد بن حارثة فبشرته بها حين أصبحت، وإذا بطيرها كالبخت وإذا رمانها مثل الدلاء العظام، وإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها تسعمائة سنة، وليس في الجنة منزل إلا وفيها فرع منها فقلت ما هذه يا جبرائيل؟ فقال: هذه شجرة طوبى، قال الله
{ { طوبى لهم وحسن مآب } [الرعد: 29]، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "فلما دخلت الجنة رجعت إلى نفسي فسألت جبرائيل عن تلك البحار وهولها وأعاجيبها قال: هي سرادقات الحجب التي احتجب الله بها ولولا تلك الحجب لهتك نور العرش كل شئ فيه، وانتهيت إلى سدرة المنتهى فإذا الورقة منها تظل به أمة من الأمم فكنت منها كما قال الله تبارك وتعالى: كـ { قاب قوسين أو أدنى } [النجم: 9] فناداني { { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } [البقرة: 285] وقد كتبنا ذلك في سورة البقرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "يا رب أعطيت أنبيائك فضائل فاعطني، فقال الله قد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي: "لا حول ولا قوة إلا بالله ولا منجا منك إلا إليك" قال: وعلمتني الملائكة قولاً أقوله إذا أصبحت وأمسيت: (اللهم أن ظلمي أصبح مستجيراً بعفوك وذنبي أصبح مستجيراً بمغفرتك وذلي أصبح مستجيراً بعزك وفقري أصبح مستجيراً بغناك ووجهي الفاني البالي أصبح مستجيراً بوجهك الدائم الباقي الذي لا يفنى) ثم سمعت الأذان فإذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة فقال: الله أكبر الله أكبر فقال الله صدق عبدي أنا أكبر فقال: اشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله فقال الله صدق عبدي أنا الله لا إله غيري، فقال: اشهد أن محمداً رسول الله اشهد أن محمداً رسول الله فقال الله صدق عبدي أن محمداً عبدي ورسولي أنا بعثته وانتجبته، فقال: حي على الصلاة حي على الصلاة فقال صدق عبدي ودعا إلى فريضتي فمن مشى إليها راغباً فيها محتسباً كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه، فقال: حي على الفلاح حي على الفلاح فقال الله هي الصلاح والنجاح والفلاح، ثم أممت الملائكة في السماء كما أممت الأنبياء في بيت المقدس، قال ثم غشيتني صبابة فخررت ساجداً فناداني ربي أني قد فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى أمتك فقم بها أنت في أمتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "فانحدرت حتى مررت على إبراهيم فلم يسألني عن شيء حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما صنعت يا محمد؟ فقلت: قال ربي فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى أمتك فقال موسى: يا محمد إن أمتك آخر الأمم وأضعفها وإن ربك لا يرد عليك شيئاً وإن أمتك لا تستطيع أن تقوم بها فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت إلى ربي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى فخررت ساجداً ثم قلت فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة ولا أطيق ذلك ولا أمتي فخفف عني فوضع عني عشرة فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال: ارجع لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني عشراً فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال: ارجع وفي كل رجعة أرجع إليه أخر ساجداً حتى رجع إلى عشر صلوات فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني خمساً فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال لا تطيق فقلت: قد استحييت من ربي ولكن اصبر عليها فناداني مناد كما صبرت عليها فهذه الخمس بخمسين كل صلاة بعشر، من هم من أمتك بحسنة يعملها كتبت له عشرة وإن لم يعمل كتبت واحدة ومن هم من أمتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة وإن لم يعملها لم أكتب عليه شيئاً فقال الصادق عليه السلام: جزى الله موسى عن هذه الأمة خيراً وهذا تفسير قول الله: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام } الآية.
وروى الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: بينا أنا راقد بالأبطح وعليٌّ عن يميني وجعفر عن يساري وحمزة بين يدي وإذا أنا بخفق أجنحة الملائكة وقائل منهم يقول إلى أيهم بعثت يا جبرائيل؟ فقال: إلى هذا وأشار إلي ثم قال: هو سيد ولد آدم وحواء وهذا وصيه ووزيره وختنه وخليفته في أمته وهذا عمه سيد الشهداء حمزة وهذا ابن عمه جعفر له جناحان خصيبان يطير بهما في الجنة مع الملائكة دعه فلتنم عيناه ولتسمع أذناه وليعي قلبه واضربوا له مثلاً ملك بنى داراً واتخذ مأدبة وبعث داعياً، فقال النبي صلى الله عليه وآله: "فالملك الله والدار الدنيا والمأدبة الجنة والداعي أنا، قال ثم أدركه جبرائيل بالبراق وأسرى به إلى بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء فصلى فيها ورده من ليلته إلى مكة فمر في رجوعه بعير لقريش وإذا لهم ماء في آنيه فشرب منه وأهرق باقي ذلك وقد كانوا أضلو بعيراً لهم وكانوا يطلبونه فلما أصبح قال لقريش إن الله قد أسرى بي في هذه الليلة إلى بيت المقدس فعرض علي محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء وإني مررت بعير لكم في موضع كذا وكذا وإذا لهم ماء في آنية فشربت منه وأهرقت باقي ذلك وقد كانوا أضلوا بعيراً لهم، فقال أبو جهل لعنه الله: قد أمكنكم الفرصة من محمد سلوه كم الأساطين فيها والقناديل، فقالوا: يا محمد إن ههنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه؟ فجاء جبرائيل فعلق صورة البيت المقدس تجاه وجهه فجعل يخبرهم بما سألوه فلما أخبرهم قالوا: حتى تجيء العير ونسألهم عما قلت، فقال لهم وتصديق ذلك أن العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل أحمر، فلما أصبحوا وأقبل ينظرون إلى العقبة ويقولون هذه الشمس تطلع الساعة فبينا هم كذلك إذ طلعت العير مع طلوع الشمس يقدمها جمل أحمر فسألوهم عما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: لقد كان هذا، ضل جمل لنا في موضع كذا وكذا ووضعنا ماء‌اً وأصبحنا وقد اهريق الماء فلم يزدهم ذلك إلاَّ عتواً.