التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً
١٦
فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً
١٧
قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً
١٨
قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً
١٩
قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً
٢٠
قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً
٢١
فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً
٢٢
فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً
٢٣
فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً
٢٤
وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً
٢٥
فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً
٢٦
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً
٢٧
يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً
٢٨
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً
٢٩
قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً
٣٠
وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً
٣١
وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً
٣٢
وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً
٣٣
ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ
٣٤
-مريم

تفسير القرآن

عن علي بن إبراهيم قال ثم قص الله عزَّ وجلَّ خبر مريم عليه السلام فقال: { واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً } [16] قال: خرجت إلى النخلة اليابسة { فاتخذت من دونهم حجاباً } [17] قال في محرابها { فأرسلنا إليها روحنا } يعني جبرائيل عليه السلام { فتمثل لها بشراً سوياً قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } [17-18] يعني إن كنت من يتقي الله قال لها جبرائيل: { إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً } [19] فأنكرت ذلك لأنها لم يكن في العادة أن تحمل المرأة من غير فحل فقالت: { أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً } [20] ولم يعلم جبرائيل أيضاً كيفية القدرة فقال لها { كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً } [21] قال فنفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه السلام بالليل فوضعته بالغداة وكان حملها تسع ساعات من النهار جعل الله لها الشهور ساعات ثم ناداها جبرائيل عليه السلام وهزي إليك بجذع النخلة أي هزي النخلة اليابسة فهزت، وكان ذلك اليوم سوق فاستقبلها الحاكة وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان فأقبلوا على بغال شهب فقالت لهم مريم أين النخلة اليابسة؟ فاستهزؤا بها وزجروها فقالت لهم جعل الله كسبكم بوراً وجعلكم في الناس عاراً ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم مريم جعل الله البركة في كسبكم وأحوج الناس إليكم، فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى عليه السلام فلما نظرت إليه قالت { يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً } [23] ماذا أقول لخالي وماذا أقول لبني إسرائيل { فناداها } [24] عيسى { من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً } أي نهراً { وهزي إليك بجذع النخلة } [25] أي حركي النخلة { تساقط عليك رطباً جنياً } أي طيباً وكانت النخلة قد يبست منذ دهر طويل، فمدت يدها إلى النخلة فأورقت وأثمرت وسقط عليها الرطب الطري فطابت نفسها. فقال لها عيسى قمطيني وسويني ثم افعلي كذا كذا فقمطته وسوته وقال لها عيسى { كلي واشربي وقري عيناً فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } [26] وصمتاً كذا نزلت { فلن أكلم اليوم إنسياً } ففقدوها في المحراب فخرجوا في طلبها وخرج خالها زكريا فأقبلت وهو في صدرها وأقبلن مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا { فقالوا لها يا مريم لقد جئت شيئاً فريا } أي عظيما من المناهي { يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً } [28] ومعنى قولهم: يا أخت هارون إن هارون كان رجلاً فاسقاً زانياً فشبهوها به من أين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته لبني إسرائيل، فأشارت إلى عيسى في المهد فقالوا لها: { كيف نكلم من كان في المهد صبياً } [29] فأنطق الله عيسى ابن مريم عليه السلام فقال: { إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً - إلى قوله - ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون } [30-34] أي يخاصمون فقال الصادق عليه السلام في قوله: { وأوصاني بالصلاة والزكاة } قال زكاة الرؤوس لأن كل الناس ليس لهم أموال وإنما الفطرة على الفقير والغني والصغير والكبير، حدثني محمد بن جعفر قال حدثني محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة عن رجل عن أبي عبد الله صلوات الله عليه في قوله { وجعلني مباركاً أين ما كنت } قال نفاعاً.