التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٢٤٧
وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ
٢٤٨
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ
٢٤٩
وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ
٢٥٠
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
٢٥١
-البقرة

تفسير القرآن

قوله: { فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً } [247] فغضبوا من ذلك { وقالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال } وكانت النبوة في ولد لأوي والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد بن يامين أخي يوسف لأمه لم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيهم { إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم } وكان أعظمهم جسماً وكان شجاعاً قوياً وكان أعلمهم إلا أنه كان فقيراً فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من المال، فقال { لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة } [248] وكان التابوت الذي أنزل الله على موسى فوضعته فيه أمه وألقته في اليم، فكان في بني إسرائيل معظماً يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي بعث الله طالوت عليهم يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت وقوله { فيه سكينة من ربكم } فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فيخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الإِنسان، حدثني أبي عن الحسن بن خالد عن الرضا عليه السلام أنه قال السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الإِنسان فكان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفار فإن تقدم التابوت لا يرجع رجل حتى يقتل أو يغلب، ومن رجع عن التابوت كفر وقتله الإِمام.
فأوحى الله إلى نبيهم أن جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى عليه السلام وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب عليه السلام اسمه داود بن اسي، وكان آسي راعياً وكان له عشرة بنين أصغرهم داود، فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي أن أحضر ولدك، فلما حضروا دعا واحداً واحداً من ولده فألبسه درع موسى عليه السلام، منهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه فقال لآسي هل خلفت من ولدك أحداً؟ قال نعم أصغرهم تركته في الغنم يرعاها فبعث إليه ابنه فجاء به فلما دعي أقبل ومعه مقلاع قال فنادته ثلاث صخرات في طريقه فقالت يا داود خذنا فأخذها في مخلاته وكان شديد البطش قوياً في بدنه شجاعاً، فلما جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوت عليه، ففصل طالوت بالجنود وقال لهم نبيهم يا بني إسرائيل { إن الله مبتليكم بنهر } [249] في هذه المفازة فمن شرب منه فليس من حزب الله، ومن لم يشرب منه فإنه من حزب الله إلا من اغترف غرفة بيده، فلما وردوا النهر أطلق الله لهم أن يغرف كل واحد منهم غرفة بيده { فشربوا منه إلا قليلاً منهم } فالذين شربوا منه كانوا ستين ألفا وهذا امتحان امتحنوا به كما قال الله، وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال القليل الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلثمائة عشر رجلاً، فلما جاوزوا النهر ونظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا منه { لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } وقال الذين لم يشربوا { ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } [250] فجاء داود عليه السلام حتى وقف بحذاء جالوت، وكان جالوت على الفيل وعلى رأسه التاج وفي ياقوت يلمع نوره وجنوده بين يديه، فأخذ داود من تلك الأحجار حجراً فرمى به في ميمنة جالوت، فمر في الهواء ووقع عليهم فانهزموا وأخذ حجراً آخر فرمى به في ميسرة جالوت فوقع عليهم فانهزموا ورمى جالوت بحجر ثالث فصك الياقوتة في جبهته ووصل إلى دماغه ووقع إلى الارض ميتاً فهو قوله { فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة } [251]
وأما قوله { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين } فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل قال قال أبو عبد الله عليه السلام إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا، ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، وإن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي من شيعتنا ولو أجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا، وإن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج من شيعتنا ولو أجمعوا على ترك الحج لهلكوا، وهو قول الله { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض.. } الخ.