التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ
٢٥
-التوبة

تفسير القرآن

قوله: { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } حدثني محمد بن عمير قال: كان المتوكل قد اعتل علة شديدة فنذر إن عافاه الله أن يتصدق بدنانير كثيرة أو قال بدراهم كثيرة فعوفي، فجمع العلماء فسألهم عن ذلك فاختلفوا عليه، قال أحدهم عشرة آلاف وقال بعضهم مائة ألف فلما اختلفوا قال له عبادة ابعث إلي ابن عمك على بن محمد بن على الرضا عليهم السلام فاسأله فبعث إليه فسأله فقال الكثير ثمانون، فقالوا له رد إليه الرسول فقل من أين قلت ذلك؟ فقال من قوله تعالى لرسوله: { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } وكانت المواطن ثمانين موطناً، وقال علي بن إبراهيم في قوله: { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين } فإنه كان سبب غزوة حنين أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فتح مكة أظهر أنه يريد هوازن وبلغ الخبر هوازن فتهيئوا وجمعوا الجموع والسلاح واجتمعوا رؤساء هوازن إلى مالك بن عوف النضري فرأسوه عليهم وخرجوا وساقوا معهم أموالهم ونساء‌هم وذراريهم ومروا حتى نزلوا بأوطاس وكان دريد بن الصمة الجشمي في القوم وكان رئيس جشم وكان شيخاً كبيراً قد ذهب بصره من الكبر فلمس الأرض بيده فقال في أي واد أنتم؟ قالوا بوادي أوطاس قال نعم مجال خيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس مالي أسمع رغاء البعير ونهيق الحمير وخوار البقر وثغاء الشاة وبكاء الصبي، فقالوا له إن مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساء‌هم وذراريهم ليقاتل كل امرئ عن نفسه وماله وأهله، فقال دريد: راعي ضأن ورب الكعبة! ماله وللحرب، ثم قال ادعوهم لي مالكاً فلما جاء‌ه قال له يا مالك ما فعلت؟ قال: سقت مع الناس أموالهم ونساء‌هم وأبناء‌هم ليجعل كل رجل أهله وماله وراء ظهره فيكون أشد لحربه، فقال يا مالك إنك أصبحت رئيس قومك وإنك تقاتل رجلاً كبيراً وهذا اليوم لما بعده ولم تضع في تقدمة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً ويحك وهل يلوي المنهزم على شيء؟ أردد بيضة هوازن إلى عليا بلادهم وممتنع محالهم وابق الرجال على متون الخيل فإنه لا ينفعك إلا رجل بسيفه ودرعه وفرسه فإن كانت لك لحق بك من وراؤك وإن كانت عليك لا تكون قد فضحت في أهلك وعيالك، فقال له مالك إنك قد كبرت وذهب علمك وعقلك فلم يقبل من دريد فقال دريد: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يحضر منهم أحد قال غاب الجد والحزم لو كان يوم علا وسعادة ما كانت تغيب كعب ولا كلاب قال: فمن حضرها من هوازن؟ قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال: ذانك الجذعان لا ينفعان ولا يضران ثم تنفس دريد وقال: حرب عوان ليتني فيها جذع أحب فيها واضع اقود وطفاء الزمع كأنها شاة صدع.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله اجتماع هوازن باوطاس فجمع القبائل ورغبهم في الجهاد ووعدهم النصر وإن الله قد وعده أن يغنمه أموالهم ونساء‌هم وذراريهم فرغب الناس وخرجوا على راياتهم وعقد اللواء الأكبر ودفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام وكل من دخل مكة براية أمره أن يحملها، وخرج في اثني عشر ألف رجل عشرة آلاف ممن كانوا معه.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال وكان معه من بني سليم ألف رجل رئيسهم عباس بن مرداس السلمي ومن مزينة ألف رجل، رجع الحديث إلى علي بن ابراهيم قال فمضوا حتى كان من القوم على مسيرة بعض ليلة قال: وقال مالك بن عوف لقومه: ليصير كل رجل منكم أهله وماله خلف ظهره واكسروا جفون سيوفكم واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشجر فإذا كان في غلس الصبح فاحملوا حملة رجل واحد وهدوا القوم فإن محمداً لم يلق أحداً يحسن الحرب قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الغداة انحدر في وادي حنين وهو وادٍ له انحدار بعيد وكانت بنو سليم على مقدمة فخرجت عليها كتائب هوازن من كل ناحية فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد إلا انهزم وبقي أمير المؤمنين عليه السلام يقاتلهم في نفر قليل ومر المنهزمون برسول الله صلى الله عليه وآله لا يلوون على شيء وكان العباس أخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله عن يمينه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله ينادي يا معشر الأنصار إلى أين المفر؟ ألا أنا رسول الله فلم يلو أحد عليه وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو التراب في وجوه المنهزمين وتقول: أين تفرون عن الله وعن رسوله؟ ومر بها عمر فقالت له ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها: هذا أمر الله فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الهزيمة ركض يحوم على بغلته قد شهر سيفه، فقال يا عباس اصعد هذا الطرب وناد يا أصحاب البقرة! ويا أصحاب الشجرة! إلى أين تفرون هذا رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده فقال: اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان، فنزل جبرائيل عليه السلام عليه فقال له يا رسول الله دعوت بما دعا به موسى حين فلق الله له البحر ونجاه من فرعون ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي سفيان بن الحارث ناولني كفاً من حصى فناوله فرماه في وجوه المشركين ثم قال: شاهت الوجوه ثم رفع رأسه إلى السماء وقال:
"اللهم أن تهلك هذه العصابة لم تعبد وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد" فلما سمعت الأنصار نداء العباس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون لبيك ومروا برسول الله صلى الله عليه وآله واستحيوا أن يرجعوا إليه ولحقوا بالراية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس من هؤلاء يا أبا الفضل؟ فقال يا رسول الله هؤلاء الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله الآن حمي الوطيس ونزل النصر من السماء وانهزمت هوازن فكانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو وانهزموا في كل وجه وغنم الله رسوله أموالهم ونساء‌هم وذراريهم وهو قول الله: { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين }.