التفاسير

< >
عرض

قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٦
-يونس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

حكي عن الحسن انه قرأ { ولا أدراكم به } وقرأ ابو ربيعة وقنبل الا المالكي والعطار { ولأدراكم به } يجعلانها (لاماً) ادخلت على (ادراكم) وأمال { أدراكم } و (ادراك) في جميع القرآن ابو عمرو وحمزة والكسائي وخلف والداحوني عن ابن ذكوان، والكسائي عن ابي بكر، وافقهم يحيى والعليمي في هذه السورة. حكى سيبويه: دريته ودريت به، قال واكثر الاستعمال التعدي بالباء، يبين ذلك قوله { ولا أدراكم به } ولو كان على اللغة الاخرى لقال ولا ادراكموه، وقالوا: الدرية على وزن (فعلة) كما قالوا الشعرة والفطنة، وهي مصادر يراد بها ضروب من العلم. فأما الدراية فكالهداية والدلالة، وكأن الدراية التأني والتعمل لعلم الشيء وعلى هذا المعنى ما تصرف من هذه الكلمة، وقالوا: داريت الرجل اذا لاينته وختلته فعلى هذا لا يوصف الله تعالى بالداري، واما قول الراجز.

اللهم لا أدري وانت الداري

فلا يكون حجة في جواز ذلك لأمرين: احدهما - انه لما تقدم قوله: لا أدري استجاز أن يذكر الداري بعده، ليزدوج الكلام، كما قال تعالى { { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } ونظائره كثيرة. والثاني - إن الأعراب ربما ذكروا أشياء امتنع جوازها كما قال:

لو خافك الله عليه حرمه

وقال آخر:

اللهم إن كنت الذي بعهدي ولم تغيرك الأمور بعدي

فاما الهمزة على ما حكي عن الحسن، فلا وجه له لأن الدرء الدفع، كما قال { { فادرءوا عن أنفسكم الموت } وقال { { فادّارأتم فيها } وقوله عليه السلام (ادرأوا الحدود بالشبهات) قال الفراء: ان كان ما حكي عن الحسن لغة، وإلا يجوز أن يكون الحسن ذهب إلى طبعه وفصاحته فذهب إلى درأت الحد، وقد يغلط بعض العرب في الحرف اذا ضارعه آخر في الهمزة فيهمز ما ليس مهموزاً، سمعت امرأة من غني تقول: رثأت زوجي بأبيات، ويقولون: لبأت بالحج وحلأت السويق. وكل ذلك غلظ، لأن (حلأت) انما هو من دفع الابل العطاش عن الماء و "لبأت" من اللباء الذي يؤكل، و "رثأت" من الرثية اذا حلبت الحليب على الرايب، ومن أمال فتحة الراء وأمال الالف بعدها، فلان هذه الألف تنقلب ياء في أدريته، وهما مدريان. ومن لم يمل فلأن الاصل عدم الامالة، ولأن كثيراً من الفصحاء لا يميل ذلك.
ومعنى قوله { ولا أدراكم به } قال ابن عباس ولا أعلمكم به من (دريت به) وأدراني الله به. ومعنى الاية الأمر للني صلى الله عليه وآله بأن يقول لهؤلاء الكفار لو اراد الله ان يمنعهم فائدته ما أعلمهم به، ولا أمر النبي صلى الله عليه وآله بتلاوته عليهم.
وقوله { فقد لبثت فيكم عمراً من قبله } معناه لبثت عليه هذه الصفة لا أتلوه عليكم ولا يعلمكم الله به حتى أمرني به وشاء اعلامكم. وقال قتادة: لبث في قومه أربعين سنة قبل أن يوحى اليه.
وقوله { أفلا تعقلون } معناه هلا تتفكرون فيه بعقولكم فتتبينوا بذلك ان هذا القرآن من عند الله انزله تصديقاً لنبيه صلى الله عليه وآله. قال الرماني: والعقل هو العلم الذي يمكن به الاستدلال بالشاهد على الغائب. الناس يتفاضلون فيه بالأمر المتفاوت فبعضهم أعقل من بعض اذ كان أقدر على الاستدلال من بعض. ومعنى ذلك ان يقول لهم قد لبثت فيكم حيناً طويلا ونشأت بين أظهركم وعرفتم منصرفي ومنقلبي فلو كان ما أتيت به مخترعاً او كان ما فيه من الاخبار من عند غير الله لكنتم عرفتم ذلك اذ فيكم ولدت ونشأت ومعكم تصرفت { أفلا تعقلون } في التدبير والنظر والانصاف فتفعلون فعل من يعقل. وعلى انه صلى الله عليه وآله لو كان اخذ ذلك من غيره وخالط اهلها، او لو كان شاعراً، اولو كان يعلم السحر - كما ادعوا - ثم خفي ذلك اجمع عليهم حتى لم يعرفوا الوجه الذي منه اخذ لكان في ذلك أعظم الحجة. وعلى ما روي عن قنبل يكون المعنى { لو شاء الله ما تلوته } يكون نفياً للتلاوة { ولأدراكم } ولأعلمكم ثبوته، ويكون اثباتاً للعلم، وعلى قراءة الباقين يكون نفياً للأمرين معاً.