التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٩
-يونس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اخبر الله تعالى في هذه الاية انه لم يكن الناس فيما مضى الا امة واحدة والامة الجماعة التي على معنى واحد في خلق او ما يستمر على عبادته بالظاهر، فعلى هذا الناس أمة والطير أمة. والمراد - ها هنا - أنها كانت على دين واحد. واختلفوا في الدين الذي كانوا مجتمعين عليه قبل حدوث الاختلاف بينهم على قولين: فقال الحسن كانوا على الشرك كما قال تعالى { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } وقال الزجاج: أراد بذلك العرب الذين كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله فانهم كانوا مشركين، فلما بعث النبي آمن به قوم وكفر به آخرون. وقال الجبائي: انهم كانوا على الاسلام، في عهد آدم وولده وأنكر الأول. قال لأن الله تعالى قال { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } فلو كانوا كلهم على الكفر لما كان فيهم شهيداً أصلا قال الرماني: لا يمتنع ان يكون الأمر على ما قال الحسن ويكون المراد التغليب كأن المسلمين كانوا قليلين، فلا يعتد بهم، فيجوز أن يقال فيهم أنهم امة مشركة كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال "ان الله نظر إلى اهل الأرض فمقتهم الا بقايا من أهل الكتاب" . وقال مجاهد: فاختلفوا حين قتل ابن آدم أخاه. والاختلاف هو الذهاب في الجهتين فصاعداً من الجهات، وحدّ المختلفين ان لا يسد احدهما مسد صاحبه فيما يرجع إلى ذاته كما لا يسد السواد مسد البياض.
وقوله { ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم } معناه لولا كلمة سبقت من ربك من انه لا يعاجل العصاة بالعقوبة انعاماً عليهم في التأني بهم { لقضي بينهم } في اختلافهم بما يضطرهم إلى علم المحق من المبطل. وقيل معنى ذلك { لقضي بينهم } اي فصل بينهم بأن اهلك العصاة وانجى المؤمنين، لكنه أخرهم إلى يوم القيامة تفضلا منه وزيادة في الانعام عليهم.