التفاسير

< >
عرض

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٤
-يونس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ أبو جعفر { حقا أنه } بفتح الهمزة. الباقون بكسرها. من فتح، فمعناه اليه مرجعكم، لأنه يبدأ. ومن كسر استأنف. قال الفراء: من فتح جعله مفعول حقاً كأنه قال حقاً أنه. قال الشاعر:

أحقاً عباد الله ان لست زائراً بثينة او يلقى الثريا رقيبها

اخبر الله تعالى أن الذي خلق السموات والأرض هو الله تعالى، وهو الذي يستحق العبادة لا غيره وان اليه مرجع الخلق كلهم. والمرجع يحتمل معنيين:
احدهما أن يكون في معنى الرجوع فيكون مصدراً.
والاخر - موضع الرجوع فيكون ظرفاً، كأنه قال: اليه موضع رجوعكم يكوّنه اذا شاء. ومعنى الرجوع اليه يحتمل أمرين: احدهما - ان يعود الأمر إلى ان لا يملك أحد التصرف في ذلك الوقت غيره تعالى بخلاف الدنيا، لأنه تعالى قد ملك كثيراً من خلقه التصرف في دار الدنيا ومكنهم من ذلك. والثاني - ان يكون معناه انكم ترجعون اليه احياء بعد الموت أي إلى موضع جزائه.
وقوله { وعد الله حقاً } نصب على المصدر وتقديره احقه حقاً او وعد الله وعداً حقاً، لأن في قوله { مرجعكم } انه وعد بذلك الا انه لما لم يذكر الفعل اضيف المصدر إلى الفاعل، كما قال كعب بن زهير:

يسعى الوشاة جنابيها وقيلهم انك يا ابن أبي سلمى لمقتول

اي ويقولون قيلهم. وقوله { انه يبدأ الخلق ثم يعيده } اخبار منه تعالى انه الذي أنشأ الخلق ابتداء، وهو الذي يعيدهم بعد موتهم النشأة الاخرى ليدل بذلك خلقه على أنه اذا كان قادراً على الابتداء فهو قادر على الاعادة.
وقوله { ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات } فيه بيان أنه انما يعيد الخلق ليعطيهم جزاء اعمالهم من طاعة ومعصية، والعطاء اذا كان ابتداء لا يسمى جزاء.
وقوله { بالقسط } معناه بالعدل، لأنه لو زاد الجزاء او نقص لخرج عن العدل، ولكن يجزيهم وفق اعمالهم حتى لا يكون الجزاء على النبوة كالجزاء على الايمان بل كل طاعة يستحق الجزاء على قدرها.
وقوله { والذين كفروا لهم شراب من حميم } معناه ان الذين يجحدون نعم الله ويكفرون بوحدانيته ويجحدون رسله { لهم شراب من حميم } وهو الذي اسخن بالنار اشدّ اسخان. قال المرقش الاصغر:

وكل يوم لها مقطرة فيها كباء معدّ وحميم

الكباء العود الذي يتبخر به. وقوله { وعذاب أليم } معناه مؤلم { بما كانوا يكفرون } اي جزاء على كفرهم.