التفاسير

< >
عرض

وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ
٧١
-يونس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ نافع في رواية الأصمعي عنه { فاجمعوا } من جمع. الباقون بقطع الهمزة وقرأ يعقوب { وشركاؤكم } بالرفع. الباقون بالنصب. قال أبو علي: ما رواه الأصمي عن نافع من وصل الهمزة من جمعت، والاكثر في الامر يقال أجمعت. كقوله { { وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم } وكما قال الشاعر:

[يا ليت شعري والمنى لا تنفع] هل أغدون يوماً وأمري مجمع

اي معد ويمكن أن يكون المراد، واجمعوا ذوي الأمر منكم أي رؤساءكم ووجوهكم، كما قال { { وأولي الأمر منهم } فحذف المضاف وأجرى على المضاف اليه ما كان يجري على المضاف لو ثبت. ويجوز ان يكون جعل الامر ما كانوا يجمعونه من كيدهم ثم الذين يكيدونه به، فيكون بمنزلة قوله { فاجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً } على أن أبا الحسن يزعم أن وصل الألف في { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } أكثر في كلام العرب. قال: وانما يقطعون الهمزة إذا قالوا أجمعوا على كذا وكذا، قال: والقراءة بالقطع غريبة. ومن وصل الهمزة حمل الشركاء على هذا الفعل الظاهر لانك جمعت الشركاء وجمعت القوم، وعلى هذا قال { { ذلك يوم مجموع له الناس } ومن قطع الهمزة أضمر للشركاء فعلا آخر كأنه قال فاجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم أو ادعوا شركاءكم، قال الشاعر:

علفتها تبناً وماء بارداً

وقال آخر:

شراب البان وتمر واقط

وفي قراءة أبي { وادعوا شركاءكم } ويجوز أن يكون انتصاب الشركاء على انه مفعول معه، وهو قول الزجاج، كما قالوا: استوى الماء والخشبة، وجاء البرد والطيالسة، وقالوا: لو ترك الفصيل وامه لرضع من لبنها. ومن رفع { وشركاؤكم } كيعقوب والحسن حمله على الضمير، وتقديره فاجمعوا أنتم وشركاؤكم. قال الزجاج: وحسن ذلك لدخول المنصوب بينهما. ولو لم يدخل لما حسن. ولا يجوز أن تقول اجمعوا وشركاؤكم. وانما يجوز العطف على الضمير اذا اكد. وزعم ابو الحسن أن قوماً يقيسون هذا الباب. وقوماً يقصرونه على ما سمع. قال ابو علي الفارسي: والاول عندي أقيس.
امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله أن يقرأ على هؤلاء الكفار أخبار نوح عليه السلام حين { قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي } بين أظهركم { وتذكيري } اياكم { بآيات الله } وحججه وهممتم بقتلي واذاي فافعلوا ما بدا لكم فاني على الله توكلت وإنما جعل جواب الشرط { فعلى الله توكلت } مع انه متوكل عليه في جميع احواله ليبين لهم أنه متوكل في هذا على التفصيل لما في إعلامه ذلك من زجرهم عنه لان الله تعالى يكفيه أمرهم. والتوكل والتفويض جعل الامر إلى من يدبره للثقة به في تدبيره فمن فوض أمره إلى لله فقد توكل عليه. وقوله { ثم لا يكن أمركم عليكم غمة } معناه ليكن امركم ظاهراً مكشوفاً ولا يكوننَّ مغطى مستوراً من غممت الشيء اذا سترته، فالغمة ضيق الامر الذي يوجب الحزن، والغمة والضغطة والكربة والشدة نظائر، ونقيضه الفرجة. وقيل { غمة } معناه مغطى تغطية حيرة مأخوذة من غم الهلاك. وقوله { فاجمعوا أمركم وشركاءكم } فيه تهديد. وقوله { ثم اقضوا إلي ولا تنظرون } معناه افعلوا ما تريدون، على وجه التهديد لهم، وانه اذا كان الله ناصره وعليه وتوكله فلا يبالي بمن عاداه واراد به السوء فان الله يكفيه امره. وقرئ بالفاء ومعناهما متقاربان، ولان معنى اقضوا توجهوا الي. وقال ابن الانباري معنى { اقضوا } امضوا، يقال قضى فلان إذا مات ومضى. ومعنى { ولا تنظرون } ولا تؤخرون.