التفاسير

< >
عرض

فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ
٩٤
-يونس

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه محمّد صلى الله عليه وآله يقول له { إن كنت في شك مما } أي من الذي { أنزلنا إليك } والشك هو توقف النفس فيما يخطر بالبال عن اعتقاده على ما هو به، وعلى ما ليس به. وقيل: إن هذا وإن كان خطاباً للنبي صلى الله عليه وآله فان المراد به الذين كانوا شاكين في نبوته. وقال قوم: إن معناه فان كنت أيها السامع في شك مما أنزلنا على نبينا اليك، ومثله قول القائل لعبده: إن كنت مملوكي فانتبه إلى امري. وقوله الرجل لابنه: ان كنت ابني فبرني. وقوله: إن كنت والدي فتعطف علي. وحكى الزجاج وجهاً ثالثاً وهو أن يكون معنى (إن) معنى (ما) والتقدير: ما كنت في شك مما أنزلنا اليك { فاسأل الذين } أي لسنا نريد بأمرك لانك شاك لكن لتزداد بصيرة، كما قال لابراهيم { { أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } وقوله { فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك } قيل: انما أمره بأن يسأل اهل الكتاب مع جحد اكثرهم لنبوته لامرين:
احدهما - ان يكون امره بأن يسأل من آمن من اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الاحبار وابن صوريا، ذهب اليه ابن عباس ومجاهد وابن زيد والضحاك.
والثاني - سلهم عن صفة النبي صلى الله عليه وآله المبشر به في كتبهم ثم انظر فمن وافق فيه تلك الصفة. وقال البلخي ذلك راجع إلى قوله { فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم } فأمره بأن يسألهم هل الأمر على ذلك؟ فانهم لا يمتنعون عن الاخبار به ولم يأمره بان يسألهم هل هو محق فيه أم لا؟ ولا ان ما انزله عليه صدق ام لا؟ ووجه آخر وهو انه انما امره أن يسألهم ان كان شاكاً ولم يكن شاكاً فلا يجب عليه مسألتهم وهذا معنى ما روي عنه صلى الله عليه وآله انه قال
"ما شككت ولا انا شاك" .
وقوله { لقد جاءك الحق من ربك } قسم منه تعالى بأنه قد جاءك يا محمّد الحق من عند ربك لان لام (لقد) القسم. وقوله { فلا تكونن من الممترين } اي لا تكونن من الشاكين. والامتراء طلب الشك مع ظهور الدليل، وهو من مري الضرع اي مسحه ليدر، فلا معنى لمسحه بعد دروره بالحلب. وقال سعيد بن جبير والحسن وقتادة وابو عبد الله عليه السلام: لم يسأل النبي صلى الله عليه وآله ويقوي ان الخطاب متوجه إلى النبي والمراد به غيره قوله بعد هذا { قل يا أيها الناس إن كنتم في شك }.