التفاسير

< >
عرض

أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَٰتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
١٣
-هود

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذه الآية صريحة بالتحدي وفيها قطع لاعتلال المشركين وبغيهم، لأنهم لما عجزوا عن معارضة القرآن قالوا: إن ما فيه من الاخبار كذب اختلقه واخترعه أو قرأ الكتب السالفة، فقال الله تعالى لهم: افتروا أنتم مثله، وادحضوا حجته فذلك أيسر وأهون مما تكلفتموه، فعجزوا عن ذلك وصاروا إلى الحرب وبذل النفس والمال وقتل الآباء والابناء. ولو قدروا على إطفاء أمره بالمعارضة لفعلوه مع هذا التقريع العظيم. وفيه دلالة على جهة إعجاز القرآن وأنها الفصاحة في هذا النظم المخصوص، لانه لو كان غيره لما قنع في المعارضة بالافتراء والاختلاق. وقوله { فأتوا } وإن كان لفظه لفظ الأمر فالمراد به التهديد والتحدي والمثل المذكور في الاية ما كان مثله في البلاغة والنظم أو ما يقاربه؛ لأن البلاغة ثلاث طبقات فأعلاها معجز، وأدناها وأوسطها ممكن، فالتحدي وقع بما هو في أعلى طبقة في البلاغة، ولا يجوز أن يكون المراد بالمثل إلا المثل في الجنسية؛ لأن مثله في العين يكون حكايته وذلك لا يقع به تحدي. وانما يرجع إلى ما هو متعارف بينهم في تحدي بعضهم بعضاً كمناقضات امرئ القيس وعلقمة، وعمر بن كلثوم والحارث بن حلزة، وجرير والفرزدق وغيرهم. ومعنى { أم } تقرير بصورة الاستفهام، وتقديره بل { يقولون افتراه }. وقال بعضهم: إن الاستفهام محذوف، كأنه قال أيكذبونك أم يقولون افتراه. وهذا ليس بصحيح لأن { أم } ها هنا منقطعة ليست معادلة، وانما يجوز حذف الاستفهام في الضرورة. وقوله { ادعوا من استطعتم من دون الله } أي ادعوهم إلى معاونتكم على المعارضة. وهذا غاية ما يمكن من التحدى والمحاجّة. وقوله { بعشر سور مثله } اي مثل سورة منه كل سورة منها. ومعنى { مفتريات } أي مختلقات يقال: افترى واختلق واخترق، وخلق وخرق وخرص واخترص إذا كذب.