التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
٤٠
-هود

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حفص { من كل زوجين } بتنوين في اللام هنا، وفي المؤمنون. وقال أبوالحسن: يقال للاثنين هما زوجان، قال الله تعالى { ومن كل شيء خلقنا زوجين } يقال للمرأة زوج، وللرجل زوجها، قال الله تعالى { { وخلق منها زوجها } وقال { { امسك عليك زوجك } وقال بعضهم زوجة، قال الاخطل:

زوجة أشمط مرهوب بوادره قد صار في رأسه التخويص والنزع

وقال ابو الحسن: يقال للاثنين هما زوج. قال أبو علي الفارسي: يدل على ان الزوج يقع للواحد، قوله { { ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } إلى قوله { { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } وقال الكسائي أكثر كلام العرب بالهاء. وقال القاسم بن معن أنه سمعها من العرب من اسد شنوءة، وليس في القرآن بالهاء، وهو أفصح من اثباتها عند البصريين. ومن قرأ بالاضافة كان قوله { اثنين } مفعول الحمل. والمعنى احمل من الأزواج اذا كانت اثنين اثنين زوجين، فالزوجان من قوله { من كل زوجين } يريد بهما الشياع، ولا يراد به الناقص من الاثنين، ومنه قول الشاعر:

فمالك بالأمر الذي لا تستطيع بدارا

ومن نون حذف المضاف من (كل) والمعنى من كل شيء أو من كل زوج زوجين اثنين، فيكون انتصاب اثنين على انه صفة لزوجين، وذكر تأكيداً كما قال { { إلهين اثنين } }. اعلم الله نوحاً في هذه الاية ان وقت هلاك قومه الكفار فور التنور، وفي { التنور } اقوال: منها أن الماء اذا فار من التنور الذي يخبز فيه. وقيل: التنور عين ماء معروفة، وتنور الخابزة وافقت فيه لغة العرب العجم. وقيل: ان التنور وجه الأرض، ذكره ابن عباس، واختاره الزجاج. وقيل التنور تنور الصبح، وروي ذلك عن علي عليه السلام. و { حتى } متعلقة بقوله { واصنع الفلك بأعيننا ووحينا.. حتى }.
أخبر الله تعالى أنه لما جاء أمره باهلاك قوم نوح عليه السلام لاستحقاقهم ذلك بالكفر، وفار التنور يعني خروج الماء من موضع لم يعهد خروجه منه علامة لنوح عليه السلام وهو تنور الخبز - في قول ابن عباس والحسن ومجاهد - وقيل: هو تنور آدم عليه السلام ويقال: فار إذا ارتفع ما فيه، كما يفور القدر بالغليان، فار يفور فوراً وفؤراً. وقال ابن عباس: فار إذا نبع. وقوله { قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين } إخبار منه تعالى أنه أمر نوحاً أن يحمل معه في سفينته من كل جنس زوجين: والزوج واحد له شكل إلا أنه قد كثر على الرجل الذي له امرأة: قال الحسن: في قوله { من كل شيء خلقنا زوجين } فالسماء زوج، والأرض زوج والشتاء زوج، والصيف زوج، والليل زوج، والنهار زوج، حتى يصير الأمر إلى الله الفرد الذي لا يشبهه شيء قال الاعشى:

وكل زوج من الديباج يلبسه أبو قدامة محبوّاً بذاك معا

وقوله { وأهلك } معناه واحمل معك أهلك { إلا من سبق عليه القول } بالاهلاك قال الضحاك وابن جريح: هو ابنه وامرأته. وقوله { ومن آمن } تقديره واحمل من آمن. ثم أخبر تعالى فقال { وما آمن معه إلا قليل }. قال ابن جريح: القليل الذين نجو معه كانوا ثمانية. وقال الاعمش: كانوا سبعة، وقال ابن عباس: كانوا ثمانين، وكان فيهم ثلاثة: بنيه: يافث، وسام، وحام. وثلاث كائن له ويافث جد الترك والروم والصقالبة وأصناف البيضان. وحام جد السودان، وهم الحبش والنوبة والزنج وغيرهم. وسام أبو فارس وأصناف العجم.