التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٤٧
-هود

التبيان الجامع لعلوم القرآن

في هذه الآية اخبار عما قاله نوح عليه السلام حين عرّفه الله حال ولده وأنه لا يستحق الغفران ووعظه بان يكون من الجاهلين، فانه قال { إني أعوذ بك أن أسالك ما ليس لي به علم } فالعياذة طلب النجاة بما يمنع من الشر، يقال: عاذ يعوذ عوذاً وعياذاً فهو عائد بالله. والعياذ الاعتصام بما يمنع من الشر. والمعنى اني أعتصم بك أن اسالك ما لا أعلمه، وانما اعتصم من ذلك، لأن ما يعلمه الانسان يجوز أن يكون حسناً ويجوز كونه قبيحاً. ولا يحسن أن يسأل ما يجوز كونه قبيحاً وان شرط حسن السؤال. وينبغي أن يشرط ان كان ما سأله حسناً فيحسن السؤال حينئذ. وقال الرماني: لا يحسن أن تسال فتقول: اللهم احيي اقاربي في دار الدنيا على ما يصح ويجوز. لأنه قد دل الدليل على أن ذلك لا يحسن في الحكمة فلا يجوز أن يسأله بحال. وانما جاز اطلاق { ما ليس لي به علم } مع أنه قد علمه سؤالا. لأن هذا العلم لا يعتد به لأن المراد علم ما له أن يسأله اياه.
وانما حذفت (يا) من قوله { رب إني أعوذ بك } وأثبته في قوله { يا نوح } لأن ذلك نداء تعظيم. وهذا نداء تنبيه فوجب أن يأتي بحرف التنبيه. وقوله (به) يحتمل وجهين: احدهما - أن يكون كقوله
{ { وكانوا فيه من الزاهدين } و { { إني لك من الناصحين } و { { أنا على ذلكم من الشاهدين } قال ابو الحسن: انما يجوز في حروف الجرّ ذلك؛ لأن التقدير فيه التعلق بمضمر يفسره هذا الذي يظهر بعد، وان كان لا يجوز تسليطه عليه. ومثله { { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين } فانتصب { يوم يرون } بما دل عليه { لا بشرى يومئذ } ولا يجوز فيما بعد (لا) هذه أن يتسلط على (يوم) وكذلك { ما ليس لك به علم } يتعلق بما دل عليه { علم } المذكور وإن لم يجز أن يعمل فيه. والثاني - أن يكون متعلقاً بالمستقر، وهو العامل فيه كتعلق الظروف بالمعاني كما تقول: ليس لك فيه رضاء، فيكون { به } في الاية بمنزلة (فيه).