التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ
١١٠
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ { كذبوا } خفيفة بضم الكاف أهل الكوفة. الباقون مشددة بضم الكاف. وقرأ عاصم وابن عامر { فنجي من نشاء } بنون واحدة وتشديد الجيم وفتح الياء. الباقون بنونين على الاستقبال، وهي في المصحف بنون واحدة.
من قرأ { كذبوا } خفيفة، فالمعنى إن الامم ظنت ان الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به من نصر الله اياهم واهلاك اعدائهم، ومثله قراءة من قرأ، وان كان شاذاً "كذبوا" يعنى ان قومهم ظنوا ان الرسل كذبت فيما أخبرت به، وهو قول ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد والضحاك. ومن قرأ بالتشديد حمل الظن على العلم، والمعنى أيقن الرسل ان الامم كذبوهم تكذيباً عمهم حتى لا يفلح احد منهم، وهو قول الحسن وقتادة وعائشة قال الشاعر:

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرّد

معناه ايقنوا، فان قيل على الوجه الاول كيف يجوز ان يحمل الضمير على انه للمرسل اليهم والذين تقدم ذكرهم الرسل دون المرسل اليهم، قيل ان ذلك لا يمتنع لان ذكر الرسل يدل على المرسل اليهم وقد قال الشاعر:

امنك البرق ارقبه فهاجا فبتّ أخاله دهماً خلاجا

اي بتّ اخال الرعد صوت دهم، فاضمر الرعد ولم يجر له ذكر لدلالة البرق عليه. وان قلت قد جرى لهم ذكر في قوله { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا } فيكون الضمير للذين من قبلهم من مكذبي الرسل كان جيداً، ذكره ابو علي. ومن قرأ { فننجي } بنونين، فعلى انه حكاية حال، لان القصة كانت فيما مضى، فانما حكى فعل الحال على ما كانت، كما قال { وإن ربك ليحكم بينهم } حكاية الحال الكائنة، ومثله { وكلبهم باسط ذراعيه } فلو لم يكن على الحال لم يعمل اسم الفاعل، لانه إذا مضى اختص، وصار معهوداً، فخرج بذلك من شبه الفعل. واما النون الثانية من (ننجي) فهم مخفاة مع الجيم، وكذلك النون مع جميع حروف الفم، لا تكون الا مخفاة، قال ابو عثمان المازني وتبيينها معها لحن. قال وللنون مع الحروف ثلاثة احوال: الادغام، والاخفاء، والبيان، فهي تدغم مع ما يقارنها كما تدغم سائر المتقارنة. والاخفاء فيها مع حروف الفم التي لا تقارنها والبيان منها مع حروف الحلق، وحذف النون الثانية من الخط يشبه ان يكون لكراهة اجتماع المثلين فيه. ومن ذهب الى ان الثانية مدغمة في الجيم، فقد غلط، لانها ليست بمثل للجيم، ولا مقارنة له. ووجه قراءة عاصم انه اتى به على لفط الماضي، لان القصة ماضية. وما رواه هبيرة عن عاصم بنونين، وفتح الياء، فهو غلط من الراوي، كما قال ابن مجاهد، وروى نصر بن علي عن أبيه عن ابي عمرو { فنجي } بنون واحدة ساكنة الياء خفيفة الجيم، فهذا غلط، لانا قد بيّنا انّ النون، لا تدغم في الجيم، لما بيناه.
اخبر الله تعالى ان الرسل لما يئسوا من فلاح القوم وعلموا ان القوم لقوهم بالتكذيب ونسبوهم الى الكذب، لان التكذيب نسبة القائل الى الكذب، وضده التصديق والاستيئاس واليأس انقطاع الطمع { جاءهم نصرنا } اي أتاهم نصر الله باهلاك من كذبهم ولا يرد بأسنا فالبأس شدة الأمر على النفس يقال له بأس في الحرب والبئيس الشجاع لشدة أمره. ومنه البؤس الفقر والبائس الفقير { عن القوم المجرمين } يعني المخطئين الذين اقترفوا السيآت.