التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
١٥
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

حكى الله تعالى انه لما أذن يعقوب ليوسف في المضي معهم، وذهبوا به { وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب } اي عزموا على فعل ذلك، ولا يقال: أجمع الا اذا قويت الدواعي الى الفعل من غير صارف وأما من دعاه داع واحد، فلا يقال فيه أَنه أَجمع، فكأنه مأخوذ من اجتماع الدواعي، ويجوز ان يكون المراد انهم اتفقوا على إِلقائه في غيابة الجب، والجعل والتصيير والعمل نظائر في اللغة. والغيابة البقعة التي يغيب فيها الشيء عن الحس. وقيل طلبوا بئراً قليلة الماء تغيبه ولا تغرقه. وقيل بل جعلوه في جانب جبها، وسمّى البئر التي لم تطو جباً لأنه جبّ ترابها عنها فقط، كأنه ليس فيها إلا قطع التراب. وجواب (لمّا) محذوف وتقديره عظمت فتنتهم أو كبر ما قصدوا له. وقال قوم: الواو في وأجمعوا مقحمة. والمعنى أجمعوا أن يجعلوه وهو مذهب الكوفيين، وأنشدوا قول أمرىء القيس:

فلما اجزنا ساحة الحيّ وانتحى بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل

يريد، فلما اجزنا ساحة الحي انتحى، وقال آخر:

حتى اذا قملت بطونكم ورأيتم ابناءكم شبّوا
وقلبتم ظهر المجن لنا ان اللئيم العاجز الخبُّ

يريد قلبتم، فادخل الواو. والبصريون لا يجيزونه. وقوله { وأوحينا إليه } يعني إِلى يوسف، قال الحسن أَعطاه الله النبوة، وهو في الجب { لتنبئنهم بأمرهم هذا } معناه ستخبرهم بذلك في المستقبل و { هم لا يشعرون } قال ابن عباس والحسن وابن جريج لا يشعرن بأنه يوسف. وقال مجاهد وقتادة: لا يشعرون بأنه اوحي اليه.
والشعور ادراك الشيء بمثل الشعرة في الدقة، ومنه المشاعر في البدن. وقال قوم: معنى قوله { لتنبئنهم بأمرهم } لتجازينهم على فعلهم، تقول العرب للرجل: تتوعده بمجازاة سوء فعله: لأنبئنك، ولأعرفنك، يعني لأجازينك.