التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٢١
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اخبر الله تعالى عن من اشترى يوسف (ع) من بايعه من أَهل مصر أنه قال: لامرأته حين حمله اليها { أكرمي مثواه } يعني موضع مقامه، وانما امرها باكرام مثواه دون اكرامه في نفسه، لان من أُكرم غيره لاجله كان اعظم منزلة ممن يكرم في نفسه فقط، والاكرام اعطاء المراد على جهة الاعظام، وهو يتعاظم فأعلاه منزلة ما يستحق بالنبوة، وادناه ما يُستحق لخصلة من الطاعة أَدناها كإِماطة الاذى من الطريق وغيره.
وقوله { عسى أَن ينفعنا أَو نتخذه ولداً }، بين أَنه إِنما يأمرها باكرامه لما يرجو من الانتفاع به فيما بعد أو للتبني به. وقال ابن مسعود: احسن الناس فراسة ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته { أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا } وابنة شعيب حين قالت في موسى
{ يا أَبت استأجره } وأَبو بكر حين ولى عمر.
وقوله { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض } ووجه التشبيه فيه انه تعالى شبه التمكين له في الارض بالتوفيق للاسباب التي صار بها الى ما صار بالنجاة من الهلاك والاخراج الى اجلّ حال.
وقوله { ولنعلمه من تأويل الأحاديث } اللام فيه محمولة على تقدير دبرنا ذلك لنمكنه في الارض، ولنعلمه من تأويل الاحاديث.
وقوله { والله غالب على أمره } معناه أَنه قادر عليه من غير مانع حتى يقع ما أَراد، ومنه وقوع المقهور بالغلبة في الذلة. وقيل غالب على امر يوسف يدبره ويحوطه.
وقوله { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } اخبار منه تعالى ان اكثر الخلق غير عالمين بحسن تدبير الله لخلقه، وما يجريه اليهم من مصالحهم وانه قادر لا يغالب؛ بل هم جاهلون بتوحيده، ولا يدل ذلك على ان من فعل ما كرهه الله يكون قد غالب الله، لان المراد بذلك ما قلناه من انه غالب على ما يريد فعله بعباده. فاما ما يريده على وجه الاختيار منهم فلا يدل على ذلك، ولذلك لا يقال إن اليهودي المقعد قد غلب الخليفة حيث لم يفعل ما اراده الخليفة من الايمان، وفعل ما كرهه من اليهودية وهذا واضح.