التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٤
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اخبر الله تعالى انه اجاب يوسف الى ما دعاه به وأراد منه ورغب اليه فيه وانه فعل، لأنه دعا به، فهو اجابة له واستجابة والذي تعلقت به الارادة مستجاب، وقال ابو علي الجبائي: الاجابة من الله تعالى ثواب لقوله تعالى { وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } وهذا انما هو في الجملة، قال الرمّاني: وصرف الله تعالى له عن الفعل بالزجر عنه واعلامه الذم على فعله، وفرق بين الصرف عن الفعل والزجر عنه، بأن الزجر عنه بالذم على ايقاعه. والصرف عنه اعلامه ان غيره أصلح له من غير ذم عليه لو عمله كما يجب في الزجر، والظاهر بغير ذلك أشبه، لأن يوسف (ع) كان عالماً بأن ما دعته اليه قبيح يستحق به الذم، ومع ذلك سأل ان يصرف ضرر كيدهن عنه، لأن كيدهن الذي هو دعاؤهن وأغواؤهن، كان قد حصل، فكأنه قد سأل الله تعالى لطفاً من ألطافه يصرفه عنده عن اجابة النسوة إلى ما دعونه من ارتكاب المعصية، لأن ظاهر القول خرج مخرج الشرط والجزاء المقتضيين للاستقبال، فكان ما قلناه أولى. فقوله { إنه هو السميع العليم } معناه ها هنا انه السميع لدعاء الداعي العليم باخلاصه في دعائه او ترك اخلاصه وبما يصلحه من الاجابة او يفسده، قال الرمَاني: ولا يجوز ان يكون السميع للصوت بمعنى العليم بالصوت موجوداً، لأنه قد يعلم الانسان موجوداً، اذا كان بعيداً وهو لا يسمعه كعلمه بصوت المطارق في الحدادين، وليس من طريق الحاسة وانما يعلمه بضرب من الاستدلال او يظن ذلك، واذا علمه من طريق الحاسة علمه ضرورة، فكان ذلك فرقاً بين الموضعين.
وقال ابو علي الجبائي: في الآية دلالة على جواز الدعاء بما يعلم انه يكون، لإن يوسف عالماً بأنه إن كان له لطف فلا بد ان يفعل الله به، ومع هذا سأله. وليس في الآية ما يدل على ذلك لانه لا يمتنع ان يكون يوسف سأل لتجويزه ان يكون له لطف عند الدعاء، ولو لم يدع له لم يكن ذلك لطفاً، فما سأل الا ما جوَّز ان لا يكون لو لم يدع، غير ان المذهب: ما قال ابو علي لانه تعالى تعبَّدنا بأن نقول
{ رب احكم بالحق } وقد علمنا انه لا يحكم الا بالحق، ولكن الآية لا تدل على ذلك.