التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
٥
-يوسف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ الكسائي الا أبا الحارث وقتيبة، والعبسي، وابن اليزيدي بامالة { رؤياك } والرؤيا في جميع القرآن، وروى ابو الحارث فتح { رؤياك } وامالة الباقي. وقرأ قتيبة امالة "الرؤيا" ونصب { رؤياك }.
وقرأ خلف في اختياره بامالة ما فيه ألف ولام. الباقون بالتفخيم.
وخفف الهمزة في جميع ذلك أَبو جعفر، وورش، والسموني، وشجاع والترمذي في الادراج، إلا ان أبا جعفر يدغم الواو في الياء فتصير ياء مشددة، قال ابو علي النحوي (الرؤيا) مصدر كالبشرى والسقيا والبقيا والشورى إلا انه لما صار اسماً لهذا التخيل في المنام جرى مجرى الاسماء، كما أن (درّ) لما كثر في كلامهم في قولهم لله درك جرى مجرى الاسماء، وخرج من حكم الاعمال: فلا يعمل واحد منهما اعمال المصدر، ومما يقوي خروجه عن أحكام المصادر تكسيرهم لها (دري) فصادر بمنزلة (ظلم) والمصادر في الاكثر لا تكسر، والرؤيا على تحقيق الهمزة، فان حذفت قلبتها في اللفظ واواً ولم يدغم الواو في الياء، لان الواو في تقدير الهمزة فهي لذلك غير لازمة، فلا يقع الاعتداد بها فلم تدغم، وقد كسر اوّلها قوم فقالوا (ريا) فهؤلاء قلبوا الواو قلباً لا على وجه التخفيف، ومن ثم كسروا الفاء، كما كسروا من قولهم: قرن لوى وقرون لي.
في هذه الآية حكاية ما أجاب به يعقوب يوسف حين قصَّ عليه رؤياه ومنامه، فقال له { يا بنيّ لا تقصص رؤياك على أخوتك } أي لا تخبرهم بها فانك إِن أخبرتهم بذلك حسدوك وكادوك واحتالوا عليك، وانما قال ذلك لعلمه بأن تأويل الرؤيا أنهم يخضعون له.
وقوله { يا بني } فيه ثلاث يا آت، الياء الاصلية، وياء الاضافة، وياء التصغير. وحذفت ياء الاضافة اجتزاء بالكسرة وادغمت احدى اليائين في الاخرى. وفتح الياء وكسرها لغتان. وانما صغر { بني } مع عظم منزلته، لانه قصد بذلك صغر السن، ولم يقصد به تصغير الذم.
والرؤيا تصور المعنى في المنام على توهم الابصار، وذلك أن العقل مغمور بالنوم، فاذا تصور الانسان المعنى توهم أنه يراه.
والاخ المساوي في الولادة من أب او أم أو منهما، ويجمع أخوة وآخاء. والكيد طلب الغيظ بأذى الطالب لغيره كاده يكيد كيداً، فهو كائد.
وقوله { إن الشيطان للإنسان عدوّ مبين } اخبار منه تعالى بأن الشيطان معاد للانسان، ويلقى العداوة بينهم، واللام في قوله { لك كيداً } لام التعدية، كما يقال قدمت له طعاماً, وقدمت اليه طعاماً. وقال قوم: هو مثل قولهم شكرته وشكرت له، لانه يقال كاده يكيده، وكاد له.
وحكى الكسائي أن قوماً يقولون: (الريّا) بكسر الراء وتشديد الياء فيقلبون الهمزة واواً ويدعمون الواو في الياء. و (رؤياً) فيها أربع لغات بضم الراء مع الهمزة وبالواو بلا همزة. وقد قرىء بهما، وبضم الراء والادغام. وبكسر الراء، ولا يقرأ بهاتين.