التفاسير

< >
عرض

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ
١١
-الرعد

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اختلفوا في الهاء في قوله { له } الى من ترجع، فقال ابن زيد: على اسم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { إنما أنت منذر } وقال غيره: على اسم الله في قوله { عالم الغيب والشهادة } وقال قوم: على (من) في قوله { من أسر القول ومن جهر } فكأنه قال للانسان معقبات. وهو الأقوى. والمعقبات في هذا الموضع هم الملائكة، فقال الحسن وقتادة ومجاهد: ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار، وقال ابن عباس - في رواية - انهم الامراء والولاة لهم حرس واعوان يحفظونهم. وقال الحسن: هم اربعة أملاك يجتمعون عند صلاة الفجر، والمعقبات المتناوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه، ويكون بدلاً منه. وأصل التعقيب كون شيء بعد آخر، فالمعقبات الكائنات على خلف بعضها لبعض بعد ذهابه، والمعقب الطالب دينه مرة بعد اخرى قال لبيد:

حتى تهجر في الرواح وهاجه طلب المعقب حقه المظلوم

ومنه العقاب لانه يستحق عقيب المعصية. والعقاب لانه يعقب بطلبه لصيده مرة بعد مرة، والعقب لانه يعقب به لشده على الشيء مرة بعد مرة، وهو جمع الجمع، لان واحده معقب مثل رجالة ورجالات. وفي قراة أهل البيت { له معقبات من خلفه ورقيب بين يديه } قالوا لان المعقب لا يكون الا من خلفه. وقوله { يحفظونه من أمر الله } قيل في معناه اقول:
احدها - قال الحسن وقتادة: المعنى بأمر الله، كما تقول جئتك من دعائك اياي اي بدعائك، وفي قراءة اهل البيت { بأمر الله }.
وقال مجاهد وابراهيم: يحفظونه من امر الله من الجن والهوام. والمعنى ذلك الحفظ من امر الله.
وقال قوم: معناه عن أمر الله، كما يقال أطعمه عن جوع ومن جوع.
وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير، كأنه قال له معقبات من بين يديه ومن خلفه من أمر الله يحفظونه، وانما قال يحفظونه على التذكير مع قوله { له معقبات } على التأنيث حملاً على المعنى، وفي تفسير اهل البيت إن معناه يحفظونه بأمر الله.
وقوله { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } معناه ان الله لا يسلب قوماً نعمة حتى يعملوا بمعاصيه التي يستوجبون بها العقاب فانه حينئذ يعاقبهم ويغير نعمه عليهم.
وفي ذلك دلالة على فساد قول المجبرة: إن الله يعذب الاطفال، لانهم لم يغيروا ما بأنفسهم بمعصية كانت منهم. والتغيير تصيير الشيء على خلاف ما كان مما لو شوهد شوهد على خلاف ما كان.
وقوله { وإذا أراد الله بقوم سوءاً } يعنى هلاكاً { فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال } معناه لا يقدر أحد على دفعه ولا نصرته عليه بل هو تعالى الغالب لكل شيء القاهر لمن يريد قهره، والوالي فاعل من ولي يلي فهو وال ووليّ مثل عالم وعليم، والله ولي المؤمن اي ناصره، والمعنى لا يتولاهم أحد الا الله.